بعد انتهاء فترة الحجر الرسمي، عاد النشاط التشكيلي والثقافي إلى العديد من الصالات، رغم أن البعض لايزالون يضعون أنفسهم تحت الحجر الطوعي، ولقد وفرت فترة الحجر فرصة لتكثيف العمل الفني، والاستفادة من الوقت الضائع، وتابعنا العديد من الأعمال التشكيلية المرتبطة بزمن الكورونا، قبل أن تفتتح المعارض المقامة حالياً، ومن ضمنها معرض الفنانة لينا ديب في المركز الوطني للفنون البصرية، والذي يشكل عودة إلى التاريخ الحضاري، والى أكثر من حقبة تاريخية، في خطوات استعادة الكتابات والرموز والإشارات القديمة، وتقديمها برؤية جديدة، تدخل فيها تقنيات الحفر والطباعة البحتة، في بعض الأعمال، وتقوم بالرسم والتلوين فوق مطبوعات محفوراتها في أعمال أخرى.
هكذا تتدرج لوحاتها بين الشفافية والكثافة اللونية مع تنوع المواد والتقنيات، وبعبارة أخرى تبدو أعمالها منفذة بروح واحدة، حتى في حالات الوصول إلى أقصى درجات التبسيط التعبيري في بعض الأعمال، وهذا الاختزال يحمل خبرة عمر من البحث والاطلاع والانفتاح على ثقافة فنون العصر.
وتظهر تنويعات الأشكال والإشارات والرموز القديمة في لوحات لينا ديب كعناصر متجاورة ومتتابعة ومتداخلة، تبحث عن تشكيلات عفوية بعيدة عن المنهج التزييني البصري، الذي يتقيد بالتفاصيل وبصورية الشكل وواقعيته التسجيلية.
وفي تشكيلاتها القديمة والحديثة تقترب من حركة البناء التتابعي العفوي، الذي يحول المساحة اللونية، إلى إطار ضروري للحد من الرزانة الهندسية الدقيقة، حتى لا تقع في الانضباط العقلاني البارد الذي تعمل على تجنبه، وهذا الانتماء إلى ملامح الأجواء الأثرية الشرقية، يجعلها تحتفظ بروح التاريخ المحلي، وذلك بالارتداد إلى الداخل لتخرجه من حيز صمته ولتجدده أو تستنطقه بالبوح الانفعالي المباشر، ولهذا تتدرج الحركة العاطفية صعوداً وهبوطاً عبر تدرجات الحالة اللونية، من تلك التي تتجه نحو العفوية الزائدة، إلى المساحات الهادئة، وتنسج علاقة مزدوجة بين العفوية اللونية والملامح الهندسية المتحررة.
رؤية ـ أديب مخزوم