على هامش لقاء عمل في المؤسسة العامة للمعارض، جرى الحديث عن النُصب التذكاري لمعرض دمشق الدولي القائم في ساحة الأمويين، والمعروف باسم السيف الدمشقي، وخاصة لجهة نقص وتناقض المعلومات الموثقة عمن قام بتصميمه وتنفيذه، فتعهدت إدارة المؤسسة بأن تزودني بصورٍ عن المخططات الأساسية التي تتضمن هذه الأسماء.
في حين يشير الدكتور عفيف البهنسي أن منطلق التصميم هو الترس الدائري رمز النهضة الصناعية، وقد استوحيَ من المفاهيم والعناصر المعمارية للمعمار البرازيلي الشهير (أوسكار نيماير) دون ذكر اسم المصمم، ويؤكد الدكتور غازي الخالدي، في نص بخط يده موجود لدي، أن من قام بتصميم النصب هو النحات المصري المعروف صلاح عبد الكريم الذي كان قد حضر من القاهرة للمساهمة في تصميم ديكورات وتزيين معرض دمشق الدولي. ويتفق معه في ذلك السينوغراف علي الحامض، الذي يضيف أن النحات صلاح عبد الكريم قد قدمه إلى المهندس المعلم رضا مرتضى المشرف على عمارة وتجميل معرض دمشق الدولي، وذكر الحامض أنه رأى التصميم بنفسه في أرشيف الراحل الكبير. وفي الفيلم الذي أنجزه المخرج الراحل نبيل المالح عن السيد رضا مرتضى ذكر د. مازن العظم، أن فكرة النُصب كانت للمرحوم مرتضى، دون تفاصيل أوفى، وأضاف المهندس وليد الشهابي (وكان مسؤولاً عن تأهيل النُصب عام 2000) معلومة من المهندس علي الحمصي بأن الإسمنت الذي استخدم في إنشاء النصُب كان مصدره شركة إسمنت دمر، وقد تم تقديمه لمديرية المعرض كنوعٍ من الدعاية للشركة ومُنتَجها.
وإذا كانت أسماء المصممين والمنفذين تعاني نقص المعلومة، أو عدم صحتها، فالأمر مختلف تماماً مع الواجهتين الزجاجيتين الفسيحتين اللتين صُممتا لعرض أعلام الدول المشاركة بالزجاج الملون ضمن شبكة حديدية تمتد على مساحة الواجهتين. إلا أن صعوبة التنفيذ حينذاك أدت إلى استبدال الزجاج بمــادة (البلكسي غلاس)، وأدت صعوبة تبديل هذه الأعلام كل سنة، وتلف الكثير منها (بسبب عوامل الجو وما تتركه من أثر على ألواح البلكسي غلاس وعلى الشبكة المعدنية الحاملة لها) إلى تكليف الفنان الراحل عبد القادر أرناؤوط في منتصف السبعينات بإيجاد بديل دائم، فكان أن اختار مادة (البوليستر) لتنفيذ أشكال هندسية مجردة وملونة مستوحاة من أعلام الدول دون وجود أي علم محدد بينها.. وقد استمر هذا الشكل دون تبديل إلى أواخر التسعينيات حين كانت دار الأسد للثقافة والفنون (الأوبرا) قد شغلت الجهة الغربية من معرض دمشق الدولي، وبدأت التحضيرات الفعلية لانتقال مدينة المعرض بأكملها إلى غوطة دمشق.. حينذاك تبدلت الوظيفة السابقة للنُصب وانتقلت ملكيته من مديرية المعرض إلى وزارة الثقافة، فكلفت الدكتورة نجاح العطار الفنانين التشكيليين بتقديم مقترحات لتصميم جديد للواجهة، ووقع الخيار على تصميم الفنان إحسان عنتابي الذي يتداخل فيه قبس النار مع الوردة الدمشقية، وحولهما تتقاطع الخطوط المنحنية والمستقيمة بتناغم يمليه الشكل المعماري.
المعلومات السابقة نُشرت غير مرة، إلا أن هناك معلومة بالغة الأهمية غابت عن الإضاءة، لفت انتباهي إليها الفنان إحسان عنتابي، وهي تلك التي تتعلق بالشبكة الحديدية التي حملت التصميم الجديد، فلحساسية المسؤولية، وخاصة لجهة التعامل مع الزجاج الذي لا يقبل أدنى خطأ، جرى تكليف الدكتور المهندس رامز رسلان، اللامع في مجال المنشآت المعدنية بدراسة هيكل الشبكة، وقد قام بذلك بكفاءة عالية، وتم إنجاز الشبكة على أعلى مستوى من الإتقان، ويعود للدكتور رسلان الفضل في ثبات الواجهة منذ عشرين سنة، رغم قذائف الهاون التي تساقطت حولها وأدت الى تكسر الزجاج والتواء بعض الأطر المعدنية دون أن يسقط أي اطار منها على الأرض.
المؤسف أنه بعد ثلاثة أشهر من تركيب البلكسي غلاس الجديد عام 2017 على الواجهة الغربية للنُصب سقطت بعض الأطر المعدنية بما فيها، وقبل ذلك فقدت الواجهة المجددة روح الزجاج الملون الذي يُعّد من عطاءات الحضارة السورية للإنسانية، والذي يمتلك إضافة إلى هذا العمق التاريخي صفة الثبات وعدم التأثر بضوء الشمس والعوامل الجوية، لذلك تسقط أمامه مادة البلكسي غلاس.
إضاءات – سعد القاسم