أحاديث كثيرة نسمعها عن ربط التعليم بالمجتمع، وربطه بسوق العمل، ومع هذا لا نرى إلاّ الخريجين من المدارس والمعاهد والجامعات تائهين بلا عملٍ ولا أمل ..
ولعل أكثر هؤلاء هم خريجو بعض الكليات النظرية، الذين غالباً ما يتمّ ركنهم على هامش الهوامش .. ولعل أكثر الاختصاصات تعاسة بحظها العاثر هي اختصاص الفلسفة.. ولم يفد شيئاً إن كانت أم العلوم أم أباها .. وكذلك الجغرافيا.. والتي لم يفدها أيضاً أن تكون علم معالم الأرض، وتهتم بجوانب أخرى كدراسة الجانب الاقتصادي لحياة الإنسان من حيث إنتاج وتوزيع السلع، وتوزيع الثروة، والظروف الاقتصادية المختلفة، وكأن كل شيء عندنا موزّع على أكمل وجه لوحده بوحده ولا نحتاج إلى أي كوادر تساهم في هذا الإطار.. وتخدم بلدها وتعيش .. !
والأسوأ من هذا كله مصير خريجي التاريخ وعلوم الآثار، فعلى الرغم من أن بلادنا ليست فقط قادرة على تشغيلهم، وإنما هي بأمس الحاجة إلى إمكاناتهم وقدراتهم والاستفادة من اختصاصهم وتوزيعهم، غير أنّ علم العاديات هذا لم يفدهم أيضاً، فالتاريخ سمي بـ ( علم العاديات ) نسبة إلى قبيلة عاد البائدة، وهو دراسة علمية لمخلّفات الحضارة الإنسانية الماضية، والتي يمكن الارتكاز عليها حاضراً ومستقبلاً على نحو ثقافي وسياحي عظيم .
خريجو التاريخ أغلبهم تائهون في الشوارع والبيوت منذ سنوات عديدة، ولا أحد يهتم لهم أو يكترث بتاريخهم أو حاضرهم أو مستقبلهم .. !
كان يمكن لخريجي التاريخ أن يوزّعوا على المواقع الأثرية ليكونوا رعاة حقيقيين لها .. بل وضباطاً وجنوداً حقيقيين مدافعين عنها.
ما الذي يمنع من تشكيل مجموعات عمل في كل موقع من آلاف المواقع الأثرية السورية، ويقوم هؤلاء الآثاريون من خريجي التاريخ بالإشراف على تلك الأماكن، وبمتابعة الأبحاث والتنقيب فيها وحولها بعد تعيينهم رسمياً في المديرية العامة للآثار والمتاحف ..؟! أو بالعمل على خلق مصادر دخلٍ منتجة لهم في أماكن عملهم ..؟!
خريجو التاريخ بصراحة ثروة حقيقية وكأننا لم نعِ بعد أهميتها، فما تزال مستبعدة في حين نقوم باستقدام خبراء التنقيب الأجانب، فيما شبابنا مهمّشون .. وهم الأقدر على فعل ذلك ..!
لا نأتي بجديد إن قلنا بأن الآثار السورية ثروة وطنية وإنسانية عظيمة، وربما كان بمقدورنا الحفاظ عليها أكثر من ذلك عبر تسويرها بهمة الشباب والعناية بها وبهم، وتشغيلهم فيها ليمارسوا الحياة وعشق البلاد وعادياتها.
على الملأ- علي محمود جديد