ما جرى بين أميركا وإسرائيل وبعض دول الخليج ليس تطبيعاً كما وصف وإنما بداية تحالف استراتيجي في إطار البحث عن حليف إقليمي قوي هو إسرائيل، وهو سياق في استراتيجية إسرائيلية لمحاصرة أو تهديد إيران والسيطرة على الممرات البحرية وانتصار اليمين الإسرائيلي الذي يطرح بشكل مستمر فكرة السلام مقابل السلام من معطى القوة وليس الأرض مقابل السلام (هذه النظرية) من هنا يصبح ما أقدمت عليه بعض دول الخليج وأميركا وإسرائيل تكريسا لسياسات القوة في المنطقة.
لقد أرادت حكومة الاحتلال وبدعم وإسناد أميركي أن تكون بعض دول الخليج حصان طروادة لاختراق بعض الأنظمة العربية سواء في الخليج أم دول أخرى كما يجري الحديث في التسريبات الإعلامية وهنا ترشح كل من السودان وليبيا وتشاد غيرها من دول عربية وإسلامية بحكم نفوذ تلك الدول المالي والسياسي والسطوة الأميركية على الكثير من دول العالم في ظل سياسة القوة أو التهديد بالعقوبات الاقتصادية التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه الرئاسي ما يشكل تقوية يد إسرائيل على الشعب الفلسطيني وإضعافا للموقف العربي وضربة قوية للمقاومة الفلسطينية التي تواجه العدو الصهيوني سواء في غزة أم الضفة الغربية معززة بالحراك الشعبي الرافض والمقاوم للاحتلال وسياستي الضم والتهويد التي تنتهجها سلطات الاحتلال بشكل ممنهج وسافر في خرق فاضح للقرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وميثاق الأمم المتحدة .
إن الحديث عن موقف عربي موحد اليوم ضد التطبيع كما كان مع كامب ديفيد هو أمر ضعيف بحكم التغيرات التي حصلت في البيئتين العربية والدولية، وما تركه ما سمي ربيعا عربيا في بعض الأقطار العربية من خراب ودمار وانقسامات حادة بين العرب بحكم الدور السلبي الذي لعبته بعض الحكومات العربية وبالتنسيق مع القوى الخارجية والتنظيمات الإرهابية لإحداث ما جرى ولاسيما في سورية وليبيا واليمن ومع ذلك يصبح الرهان على قيام جبهة فلسطينية موحدة مدعومة من محور المقاومة وبعض الأصدقاء في العالم أمراً ممكناً وضرورياً وهنا تصبح الكرة في مرمى فصائل المقاومة والسلطة الفلسطينية وهذا يستدعي توحيد المواقف ووضع برنامج وطني وجبهة فلسطينية جديدة تضم كافة الفصائل، بما في ذلك الشخصيات المستقلة والتأكيد على أن قضية فلسطين هي قضية الشعب الفلسطيني أولا وليست ورقة بيد قوى خارجية وسيكون لهكذا إجراء تأثير معنوي في الساحة العربية والدولية مع قيام جبهة رفض فلسطينية واسعة الطيف تجد رديفاً عربياً وإسلامياً ودولياً داعماً لها واقفاً إلى جانبها بوصفها حركة تحرر وطني تسعى لاستعادة أرضها وحقوقها المسلوبة والمغتصبة من قوى احتلال واغتصاب مثلت آخر حالة استعمارية في القرن العشرين وتسعى اليوم لاستعادة حمى الاستعمار مرة أخرى وهذا ما يدغدغ مشاعر ورغبات قوى استعمارية تقليدية بدأت تكشر عن أنيابها في الآونة الأخيرة وهذا ما شهدناه في ليبيا ولبنان ما يجعلنا نعيد النظر بمقولة أن عصر الاستعمار قد أصبح من مرويات التاريخ وأرشيفه .
لقد اشتغلت القوى الاستعمارية على السعي لخلق ألف قضية وقضية بدل قضية فلسطين من قبيل القضية السورية العراقية الليبية اليمنية إضافة لاصطناع عدو وهمي بدل العدو الصهيوني عبر النفخ في أزعومة الخطر الإيراني سعيا من العقل الاستخباراتي الإسرائيلي الذي اشتغل بشكل مكثف لتتراجع القضية الفلسطينية في سلم أولويات أبناء المنطقة العربية ويصبح هم كل دولة عربية خلاصها الفردي إضافة إلى الاستخدام الأداتي للقضية الفلسطينية عند بعض الحكام لتكون ثمن البقاء على كراسي الحكم والسلطة لبعض الأنظمة سيما وأن المهم عندهم ما يقوله الأميركي الذي يمنحهم على عمالتهم تلك شهادة (أيزو سياسية) بأنكم مطابقون للمواصفات الإسرائيلية والأميركية وهم المصابون بعقدة الإعجاب بالغرب والنفور من الذات كراهيتها .
إضاءات- د. خلف المفتاح