يدور الحديث بين المثقفين عن تقلص الكتاب السوري المطبوع حاليا, سواء في وزارة الثقافة أم في اتحاد الكتاب العرب وذلك بسبب الحصار الجائر الذي تفرضه القوى الغربية وأميركا على سورية وعدم توافر الورق .. إذ لم يكتف الغرب بمنع الغذاء والدواء والنفط وكل ما له علاقة بحياة السوريين وإعادة إعمار سورية ..بل طال الحصار الورق المخصص للطباعة, ولو استطاعت أميركا أن تمنع الهواء عن سورية لمنعته.
ورب قائل إن البدائل موجودة وإن المؤسسات الثقافية تستطيع أن تنشر الكتاب الإلكتروني والمجلة الإلكترونية وتعوض عن غياب الكتاب الورقي .
لكن السؤال هو كم من السوريين يستخدم الإنترنت, أو يتعامل مع الإنترنت في ظل غياب الكهرباء وانقطاع الهواتف وارتفاع أسعار باقات (السيرف)؟ وعدم قدرة الناس على شراء الخبز والخبز أولى .
غير أن الموضوع ليس موضوع ورق بل لأن أعداء سورية يدركون جيدا” أهمية الكتاب وأهمية الثقافة من حيث هي الرافع الحقيقي للوعي, وهي الحامل لهوية الانتماء إلى وطن فرضت عليه الحرب فرضا”وأدخلته في أتون النار والدم .
وربما يعتقد البعض أن للثقافة دور كمالي ولا يشكل غيابها أو غياب الكتاب العنصر الضاغط على البلد .وهذا أمر خطير لأن الثقافة من مقومات الحفاظ على الذاكرة وبالتالي الحفاظ على الوحدة الوطنية والتراث والعادات والتقاليد .وما ضياع الكتاب أو فقدانه إلا فقدان للوجدان العربي العام وضياع جزء أساسي من تماسكه وصلابته ورموزه .
من هنا يتبلور الهدف من قيام العدو الغاصب في فلسطين بتهويد القدس وهدم مبانيها القديمة وبالتالي ذاكرتها ..وفي العراق عمدت أميركا أثناء احتلالها إلى تدمير ونهب المتاحف وهدم الأوابد واستباحة المساجد والكنائس وذلك لطمس الهوية الثقافية وتمزيق الإرث الثقافي العظيم الذي يتمتع به الوطن العربي .
وهذا الأمر تطابق مع ما تقوم به الجماعات المتطرفة والدواعش والعصابات المدعومة من تركيا وأميركا إذ عملت على حرق المكتبات وحرق الجامعات وهدم المدارس وتحويلها إلى مقرات للإرهاب والسلاح .وكلنا يذكر ماذا فعلت طالبان في أفغانستان حين دمرت تمثال بوذا الذي كان مسجلا”في اليونسكو باعتباره إرثا” عالميا”.
فضلا” عن قتل المثقفين والأدباء والمفكرين والعلماء وكل العقول النيرة لتبقي فقط على الجهل والجاهلين وتسلخ المواطن من إرثه الفكري والحضاري ومن ذاكرته التي هي أساس انتمائه للأرض والنضال من أجل أرضه ووطنه .
لقد عمدت بعض أجهزة الغرب على الترويج لكتابة جديدة لا تقع ضمن السياق الوطني والقومي بحيث لا يطال القضايا العربية كالصراع الفلسطيني الصهيوني, واستطاعت أن تحرف البوصلة باتجاه كتابات لا تخدم الذاكرة النضالية ولا تؤسس لمشروع نهضوي وبالتالي تحرف مسار التاريخ وقد تشوهه وتعيد صياغته كما تتوافق مع مصالحها .
إن غياب دور الكتاب يعني غياب دور الثقافة ودور الفكر والمعرفة التي هي عوامل أساسية في بناء العقول المتنورة الواعية الحضارية المفكرة.لذلك حين علمت بغياب الكتاب أو بتقليص عدده في السوق وانه لن يصل إلى القارئ بسهولة شعرت بخطورة وخوف على الدور المنوط بالثقافة وهو دور مقاوم وفعال كما دور الرصاصة.لذلك لا بد من قيام المؤسسات الثقافية الوطنية بدورها لدعم الكتاب ونشره وتوزيعه مهما كلف سواء ورقيا أم إلكترونيا لأن الشعب لا يملك كله ثقافة القراءة الإلكترونية ولا القدرة على امتلاك هذه الثقافة التي هي عبارة عن سلاح ذي حدين .
فالكتاب – كما ذكرت – يشكل غيابه فجوة وخلخلة في الجدار الصلب للمقاومة وهو شرط من شروط النضال ومقارعة المعتدين, خاصة أنه يتم تزوير التاريخ العربي والإسلامي في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ المنطقة, كما يتم تشويه القيم والأخلاق في محاولة لصياغة ذاكرة جديدة تقوم على أشلاء الذاكرة الأولى فيسهل المحو والاستلاب من أجل خدمة المشروع الصهيوأميركي لتركيع المنطقة العربية وإفراغها من محتواها الثقافي والفكري والحضاري وتهميش مكانتها ودورها ..ما يؤدي إلى نشوء أجيال جديدة يغيب عنها تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي الذي زلزل المنطقة منذ عقود وأعاق الأمة عن تقدمها وتطورها وحريتها.
معا على الطريق- أنيسة عبود