تذكرت وأنا اقرأ خبر موافقة مجلس الوزراء مؤخراً على زيادة قيمة الوجبة الغذائية، زيارة قمت بها قبل عدة سنوات إلى مصنع فرز النفايات الصلبة، في وادي الهدة في محافظة طرطوس.. كان الجو معتدلاً خارج المصنع أما داخله فأشبه بحرارة فرن، وعلى الرغم من الكمامة السميكة التي زودت بها، كانت الروائح لا تطاق، أذكر أن أغلب العاملين نساء، وهن لايهدأن خلال ثماني ساعات، يفرزن يدوياً، ما لم تفرزه الاَلات من زجاج وحديد ولدائن، خرجت من المعمل وكأنني خارج من البحر..!
وكان أهم مطلب للعمال والعاملات الوجبة الغذائية الداعمة، دونها سيمرضون على الرغم من حصولهم على اللقاحات الضرورية.
تذكرت تلك الزيارة لأن قيمة الوجبة الداعمة كانت ٩٠٠ ليرة في الشهر، أي ٣٠ ليرة في اليوم، ولَم يكن هذا المبلغ مهماً قبل خمس سنوات لجهة تأمين غذاء إضافي من البيض والحليب، لذلك لم تعد الوجبة عينية مثلما كنّا نراها في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، على شكل صحون بيض وزجاجات حليب أو أكياس تحتوي على حليب البودرة وأحيانا فراريج أو لحوم، بل باتت مالاً يضاف على الراتب ويذوب فيه ولايشتري غذاء إضافياً مما يؤسس لمناعة أقوى.
وما حفزني على التذكر أكثر أن المهندس وسام عيسى مدير النفايات الصلبة في طرطوس قد أكد لي في أواخر شهر آب الماضي أن قيمة الوجبة لم تتغير ولاتزال ٣٠ ليرة، قلت له فوق البيض؟ أجاب: لا، مع البيض.
وسر الدهشة المذهلة ما آلت اليه أسعار البيض.
إن ١٣١ ألف عامل وعاملة في القطاع العام في سورية سوف يستفيدون من القرار الجديد لرئاسة مجلس الوزراء، وهم يعملون في مهن خطرة ومصانع كيماوية أو هندسية أو نسيجية أوغذائية وفي إنتاج وتعبئة الغاز ونقل النفط وتعبئته..الخ.
والزيادة مجزية بالمقارنة مع السابق إذ غدت، استناداً إلى إيضاحات رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال، عشرة أضعاف سابقتها، أي ٣٠٠ ليرة في اليوم، أي ٩٠٠٠ آلاف ليرة في الشهر، ويمكن لهذا المبلغ تأمين ٦٠ بيضة وثلاثة كيلوغرامات حليب، ما يعد خطوة متقدمة، إذ كان المبلغ السابق هزيلاً جداً ولم يعد يعني شيئاً على صعيد شراء غذاء نوعي.
بيد أن الأهمية الكبرى لهذا القرار أنه اخترق طريقاً مسدوداً، وأنعش إصغاء لصوت الناس مع انتشال الشكوى المزمنة من التجذر على البقاء شكوى، علماً أن تكلفة القرار ١٣ مليار ليرة سورية، وفي وقت يأمل فيه اتحاد نقابات العمال توسيع شرائح العمال المستفيدين من الوجبة الغذائية الداعمة، فلقد بتنا أكثر تفاؤلاً أن تلبى كثير من المطالب المحقة لكثير من العاملين في الدولة ولا سيما لجهة تعويض طبيعة العمل على الراتب الحالي وتعويض الأعمال الخطرة وأن يتم اتخاذ قرارات أو سن تشريعات تحال أصولاً على مجلس الشعب، توفر دخلاً إضافياً للاتحادات والنقابات، مثل حسم ٣% بدلاً من ٢% من أجور الإعلانات التجارية لمصلحة صندوق تقاعد الصحفيين، وهذا مثال، وثمة أمثلة كثيرة لدى المعلمين والمهندسين والأطباء والصيادلة والمحامين..الخ.
وأعتقد أن قرار زيادة قيمة الوجبة الغذائية الداعمة ، لـ ١٣١ ألف عامل، بعد مطالبات قديمة ومنذ سنوات كثيرة تعود إلى ما قبل الحرب على سورية، سيفتح آفاقاً جديدة على صعيد الحوار ما بين الحكومة والناس، وسيمنع المراوحة في المكان لكثير من المطالب المحقة، وسيشجع على اختراق الطرق المسدودة لما فيه خير الشعب والوطن.
أروقة محلية – ميشيل خياط