اللافت في التوتر الحاصل بين أرمينيا وأذربيجان أن جميع القوى الدولية تدعو لوقف الاقتتال الدائر وعدم التصعيد، والعمل على حل النزاع عبر الحوار والمفاوضات، باستثناء النظام التركي الذي يحرض على استخدام القوة واللجوء إلى الخيار العسكري، وهذا ليس مفاجئاً، ولا يثير أي استغراب، نظراً لنزعة الإجرام التي تتملك عقلية هذا النظام الدموي، والعالم بات يعلم هذه الحقيقة جيداً، ولكن لماذا يغرد متزعمو هذا النظام وعلى رأسهم اللص أردوغان خارج السرب الدولي؟ وهل بمقدوره مواصلة اللعب على وتر خلق الفوضى والنزاعات لإعادة عهد الإمبراطورية العثمانية البائدة كما ترسم له مخيلته؟ أم هو جزء من مخطط كبير تديره أجهزة الاستخبارات الأميركية والصهيونية، ودوره إثارة الفوضى والدفع بالمنطقة نحو المجهول في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يشكل رأس حربة فيه؟
مسألة إذكاء نار الحرب بين البلدين الجارين “أرمينيا وأذربيجان” تعد بمنزلة حقل تجارب جديد يستعرض فيه أردوغان عضلاته في سياق جنوحه المحموم نحو العمل على توسيع أطماعه الاستعمارية وتثبيت أقدامه في منطقة القوقاز، بعدما أدرك حتمية فشل مشاريعه الاحتلالية في سورية وليبيا والعراق والمتوسط، حيث جميع أوراقه تحترق تباعاً، هو يريد امتلاك أوراق ضغط في تلك المنطقة لمقارعة الروسي ومحاولة ابتزازه في ملفات إقليمية أخرى، والخارجية الروسية أكدت أن الموقف التركي من النزاع الحاصل كان متوقعاً ومعروفاً، وهذا الكلام مبني بكل تأكيد على حسابات سياسية تدركها موسكو جيداً، كذلك يريد من وراء إرسال مرتزقته الإرهابيين في سورية وزجهم في جبهات القتال هناك، إعطاء إشارة ضمنية لروسيا بإمكانية تسللهم إلى داخل الحدود الروسية، وهذا الأمر في حال حدوثه سيثلج صدر الأميركي المتربص، ما يعني أن أردوغان لم يكن يوماً خارج اللعبة الأميركية القذرة.
نزعة الحقد والكراهية المتجذرة في نفوس العثمانيين الجدد تجاه الشعب الأرميني، يظهرها نظام أردوغان اليوم بكل صفاقة، ولعل تفرده بالتحريض على تأجيج نيران الحرب، تشوبها رغبة انتقامية جامحة من أرمينيا بسبب قضية الإبادة الجماعية التي اعترفت بها معظم دول العالم، وربما يكون هدف هذا النظام من معارضته لكل دعوات التهدئة، والدفع نحو تأزيم الأوضاع، هو امتلاك ورقة ابتزاز يشهرها في وجه الدول المطالبة بالحل السياسي كي تتخلى عن اعترافها بمجزرة الإبادة الجماعية التي ارتكبها السفاحون العثمانيون بحق الأرمن.
منذ انخراط نظام أردوغان بالحرب الإرهابية على سورية، ودعمه للتنظيمات الإرهابية على مختلف أشكالها وتسمياتها، بدا واضحاً أن رأس هذا النظام قد استمرأ مسألة دعم الإرهاب واستثماره لمصلحة مشاريعه الاحتلالية التوسعية، فهو يكثر من استخدام مصطلح “تركيا وريثة الامبراطورية العثمانية” ويفتخر على المنابر الدولية بجذوره العثمانية، وهذا يفسر مسألة امتهانه سياسة البلطجة والعربدة لإعادة إحياء العهد الدموي لتلك الإمبراطورية البائدة التي قامت على القتل وارتكاب المجازر الجماعية، ونشر الجهل والتخلف في كل المناطق التي كانت تخضع لسيطرتها وقت ذاك، ولكن هذا الواهم سرعان ما ستعيده هزائمه المتلاحقة إلى حجمه الطبيعي، فعجلة التاريخ لا يمكن إعادتها للوراء.
البقعة الساخنة – ناصر منذر