الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
ما من شك بأن إصابة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفايروس كورونا “كوفيد 19” ودخوله مرحلة الحجر الصحي برفقة زوجته ميلانيا يشكل فشلاً ذريعاً لسياسته عموماً في التعاطي مع أزمة انتشار الوباء في بلاده، حيث ما زالت بلاده تسجل الأرقام الأكبر عالمياً بعدد الإصابات والوفيات، فقد تجاوز عدد الإصابات في الولايات المتحدة حاجز السبعة مليون مصاب فيما تخطت أعداد الوفيات حاجز المئتي ألف وفاة، في بلد يعتبر ضمن الأكثر تقدماً وتطوراً في مجال الرعاية الصحية وصناعة وإنتاج الأدوية والعقاقير الدوائية واللقاحات.
أكثر ما يلفت النظر في الولايات المتحدة خلال أزمة تفشي وباء كورونا هو استهتار ترامب بالإجراءات الصحية التي أعلنتها بلاده للوقاية من الفايروس، وظهوره بشكل دائم من دون كمامة في كل المناسبات والفعاليات، مقدماً نفسه كأنموذج سيئ للأميركيين في طريقة حماية أنفسهم من العدوى، في الوقت الذي حاول فيه استخدام موضوع ارتداء الكمامة للإساءة والتشهير بخصومه الديمقراطيين ولا سيما رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التي ظهرت الشهر الماضي في أحد صالونات الحلاقة بدون كمامة، ما أثار عاصفة هوجاء ضدها من قبل ترامب وإدارته، ما يصح فيه بيت الشعر المشهور (لا تنه عن خلق وتأتي بمثله).
لقد حاول ترامب في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية تجنيد الجائحة أو الوباء الذي يعصف بالأميركيين لمصلحته انتخابياً، حيث وضع اللقاح المضاد للفايروس على خطة حملته الانتخابية لهزيمة منافسه الديمقراطي جو بايدن، فقد كثرت وعوده للأميركيين بإنتاج اللقاح في غضون أسابيع قليلة للحد من الأعداد الكبيرة التي يجتاحها الوباء كل يوم، ولكنه تحول إلى ضحية للفايروس قبل أن تتمكن السلطات الأميركية من إنتاج اللقاح، ما يهدد حظوظه بالفوز بالانتخابات وإعادة التجديد له في البيت الأبيض لولاية ثانية.
ووعد ترامب الأميركيين أن يكونوا أول من يحصل على اللقاح معطياً انطباعاً بأن كل شيء يسير على ما يرام، ولكن إصابته بالفايروس ستعطي انطباعات سيئة لدى الأميركيين ممن يشككون بقدرة بلادهم على ضمان رعاية صحية عادلة والحصول على اللقاح، وتحفظ ذاكرة الأميركيين جيداً إلغاء ترامب لمشروع سلفه باراك أوباما للضمان الصحي (أوباما كير)، كما تحفظ ذاكرتهم أيضاً تشكيكه باللقاح الذي أنتجته روسيا وبالإجراءات التي اتخذتها الصين لمنع تفشي الوباء عالمياً، وكيف أن ترامب استخدم أزمة الكورونا لشن (حروبه) العنصرية ضد الصين، واصفاً الفايروس العالمي ب(الطاعون الصيني).
لقد أضافت إصابة ترامب بفايروس كورونا تهديداً جديداً لفرص إعادة انتخابه لولاية ثانية، وقد تكون هذه الأزمة العامل الحاسم في تحديد نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة، وربما التشريعية التي ستليها، فقد ساهم رد فعل ترامب الأوّلي المستخف بالوباء، ثم الاستجابة المرتبكة والمتأخرة لإدارته في التعامل مع تفشيه، في انهيار أسواق الأسهم المالية، وشلّ التعامل المتأخر مع الفيروس مظاهر الحياة في أميركا وأدى لانكشاف ضعف البنية الصحية الأميركية، فضلًا عن فقدان مئات الآلاف من الأميركيين لوظائفهم، وتتوقع بعض التقديرات أن تصل نسبة العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة إلى أكثر من 20 في المئة، وقد ترتفع أكثر من ذلك، في حال استمرت الأزمة ما بين 12 و18 شهراً كما تشير بعض الجهات المختصة.
فما زال عشرات ملايين الأميركيين تحت حجر صحي كامل بسبب الوباء، وإذا ما عجزت إدارة ترامب عن منع انهيار الاقتصاد ومعالجة مشكلة البطالة الفادحة التي ترتبت على هذه الجائحة، وهو ما لم يعد متاحاً من حيث الوقت المتبقي، فإن ذلك سيحرمه من ورقته الأقوى في معركة الانتخابات، أي ورقة الاقتصاد.
من المعلوم أن ترامب بنى شعبيته على أرضية اقتصادية، فلعب دور رجل المال والصفقات أكثر مما لعب دور الرئيس، ولكن ثمة أوراق كثيرة زعزعت استقرار أرضيته الاقتصادية التي بناها على حساب الضرر الذي لحق بدول وشعوب كثيرة حول العالم، فمن ورقة كورونا وانتكاسة الاقتصاد بسبب الجائحة، ومقتل جورج فلويد (الجريمة العنصرية التي هزت أميركا ولاقت تعاطفاً عالمياً) إلى أزمة تماثيل رموز أميركا التي تم تحطيمها في الاحتجاجات، بات ترامب اليوم باستهتاره وإصابته بكورونا ونفاقه المستمر أقوى ورقة بيد الديمقراطيين للفوز بالانتخابات الرئاسية…فهل يستثمرون هذه الفرصة على بعد نحو شهر من الانتخابات.. من يدري؟!