إليوت إنجل ومايكل ماكول، الأول من الحزب الديمقراطي الأميركي والثاني من (توءمه) الجمهوري، وهما عضوان في الكونغرس، نشاهدهما يومياً في أروقة مجلس النواب الأميركي وعلى شاشات التلفزة، وهما يتعاركان حول ترهات الانتخابات، وينشران غسيل خلافاتهما الوسخ حول كورونا والعنصرية والتأمين الصحي والفساد ومختلف القضايا الداخلية، التي تعتبر مواد دسمة يستغلانها للصراخ عالياً، وتجريح بعضهما بعضاً وبث خلافاتهما المزعومة، مثلهما مثل كل النواب الآخرين.
إليوت وماكول، كباقي جميع الديمقراطيين والجمهوريين المتشابهين في كل تحركاتهم وتصريحاتهم ومواقفهم، متفننون في إشعال جناحي الكونغرس (النواب والشيوخ) بمسرحيات خلافية مزعومة تصل إلى درجة التخوين والاتهام بالفساد والسرقة والخيانة العظمى، لكنهم جميعاً سرعان ما تتحد عقولهم وقلوبهم وتتشابك أيديهم، ويصبحون صوتاً استعمارياً واحداً عندما يتعلق الأمر بالشعوب المنكوبة بسياساتهم الإرهابية.
مناسبة هذا الكلام ليس الرغبة باتهام أعضاء الكونغرس بما ليس فيهم، ففي معظمهم كل صفات العنصرية والإرهاب، ولا محاولة لشيطنتهم، فهم شياطين الإجرام على مستوى العالم، وهي حقيقة دامغة نلمس شواهدها على أرض الواقع مطلع كل صباح ومساء، وها كم موقف هذين العضوين العنصريين الذي عبرا عنه مؤخراً، والمعارض لإعادة إعمار سورية، حتى تصابون بالدهشة ممن يفترض أن يكونا حريصين على حقوق الإنسان في العالم كما يزعمان ويروجان ويدّعيان ويلفقان.
ففي الوقت الذي تحاول فيه بعض دول العالم إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع سورية ومساهمتها في إعادة إعمارها أرسل العضوان المذكوران رسالة إلى مايك بومبيو وزير خارجية بلادهما يطالبانه فيها بوضع كل ثقله لمنع هذا الأمر، لا بل إن المفارقة الصارخة والمثيرة للاستهجان والاستغراب أنهما يعبران لبومبيو عن “قلقهما العميق” والمزعوم على الشعب السوري، وخوفهما من أن بلداناً عديدة ستحاول تطبيع علاقاتها مع سورية.
لا نريد هنا أن نفند بطلان مثل هذا الطلب الغريب، فقد قامت الصحافة الأميركية ذاتها -أي شهد شاهد من أهلهم- بالسخرية من النائبين المذكورين والتهكم على طلبهما حين تساءلت بكل استهزاء: “لماذا يجب على نوابنا أن يقرروا كيف ومتى ستعيد عشرات الدول في هذا العالم المترامي الأطراف علاقاتها الدبلوماسية مع سورية؟ فعندما أقروا قانون (قيصر) لما يسمى حماية المدنيين السوريين، هل تم تمرير ذلك على أنه معاهدة للأمم المتحدة أم كقانون للولايات المتحدة”؟!
بحجة كهذه يتهكم بعض الصحفيين الأميركيين على إنجل وماكول، أما حجتنا نحن السوريين فربما تحتاج إلى موسوعة (غينس) للأرقام القياسية لاستيعابها، فحججنا على أمثال هؤلاء بالآلاف، ووثائقنا ضدهم بمئات الألوف.
فلم يشغل بال (إليوت إنجل) الكم الهائل من الجرائم بحق الإنسانية التي قامت بها إدارته العدوانية ضد السوريين، ولم تهزه صور آلاف القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء حين استشهدوا تحت ركام الرقة وعشرات القرى والمدن التي دمرتها طائراتهم بدم بارد!.
أما زميله (ماكول) فلم تؤنب ضميره صور الجوع والمرض لملايين السوريين التي سببها ما يسمى “قانون قيصر” وإرهاب الحصار والإجراءات الأحادية القسرية التي فرضتها واشنطن عليهم، ومنعت عنهم – بموجبها – الدواء والغذاء، ولم يطالب بكسر الحصار عن الشعب السوري، أو يصفه بالجائر والظالم، وبأنه يتناقض مع القوانين الدولية والأعراف الإنسانية، بل فعل العكس وشدّ من أزر ترامب ليفعّل مثل هذا الحصار وتلك العقوبات الشريرة.
لم يتحرك ضميرهما حين قامت قوات بلادهما الغازية بحرق محاصيل السوريين، وسرقة قمحهم ونفطهم، وإقامة القواعد العسكرية غير الشرعية فوق أراضيهم، ولم يرسلا رسائل لبومبيو وترامب يزعمان فيها أنهما يساندان الشعب السوري وعلى إدارتهما أن تكف عن سياسات البلطجة والغطرسة والإرهاب والعدوان، وعن ممارسة الدجل والتضليل بحق سورية!.
على العكس من ذلك، فما فعله النائبان في الكونغرس يندى له جبين الإنسانية، فهما يختتمان رسالتهما لبومبيو قائلين: “يسعدنا أن الإدارة فرضت عقوبات بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية، والذي أيدناه بشدة، كما أننا نتطلع إلى العمل معكم لضمان التنفيذ القوي والمستمر له”، ألا تكفي هذه العبارة لتعبر بالعمق عن طبيعة جلدهما الاستعماري العنصري، المجبولة بأطماعهما وشهيتهما لاغتصاب حقوق الآخرين وغزو أراضيهم وسرقة ثرواتهم وتجويعهم؟!
الإجابة لا تحتاج إلى كثير عناء لفك شيفرتها ورموزها، ويكفي أن نشير هنا إلى دعمهما الثابت لكل مخططات البنتاغون والسي آي إيه المشبوهة في سورية والمنطقة، وإغداق عطائهما للكيان الإسرائيلي في كل شاردة وواردة، وتصفيقهما لكل انتهاكات حقوق الإنسان داخل أميركا وخارجها.
بقلم مدير التحرير أحمد حمادة – من نبض الحدث