هل ثمة متعة في مقاربة الأشياء أكثر من ملامستها وعيشها واقعياً..؟
تلك التي تصيبنا حينا، وتقربنا من اللذة أكثر من جعلنا نحياها.
يرى البعض أنه “وراء كل مرآة، ووراء كل صورة إنما يوجد شخص ما مختف هناك”..
فما كمية الاختفاء الذي نمارسه ونحياه في قمقم “الافتراض”..؟
تحدث الفيلسوف وعالم الاجتماع جان بودريار عما أطلق عليه “اختفاء الواقع”، كظاهرة أدت إلى تصاعد ما سماها “الواقع الفائق” وكان نظر عنه أيضاً أمبرتو إيكو وقال مرة: “التكنولوجيا قادرة على منحنا واقعية أشد مما تمنحنا إياه الطبيعة”..
ويبدو أنها ذاك النوع من الواقعية المطروحة على مقاس خيالاتنا ورغباتنا، المأمولة بدفق من تطورات لانهائية للعبة الاختفاء والظهور، بمقاييس عوالم “الافتراض”..
“الافتراض” الذي يصبح “منفتحاً على كل الاحتمالات” مغرقا بواقعيته الفائقة..
والذي كلما تمدد وانتشر أكثر أدى ذلك إلى اختفاء الواقع بمعناه المعهود أكثر.
هل فكرنا أننا حالياً نقيم في أحد احتمالات الافتراض.. خلف إحدى صوره أو مراياه..؟
ونبحث عن تقاطعات بين ما ننشىء من صور وصور أخرى ينشئها غيرنا..
هل أصبح الواقع نافراً إلى هذا الحد حتى نهرب منه إلى نسخ لامتناهية من صور ومرايا..؟
لعلنا مهزومون واقعياً.. فنتستر بنسخ تدعي النجاح والسعادة افتراضياً..!
وكأننا نتلاشى ونندثر في الحياة الواقعية بلعبة التواري التي نتقنها في واقعية افتراضية.. تتحول شيئاً فشيئاً إلى “واقعية مفرطة”..!
مفردات هذا النوع من الواقعية “الافتراضية”، يتقن تحويل ما نصنع من مرايا وصور إلى شيء أكثر مصداقية من الواقع عينه بمعناه التقليدي.
بخفة ننجر إلى لعبة التخفي.. نمارس يقين طمأنينة واهمة.. وننساق وراء صور “آخر” نتغافل أن لا جذر واقعياً لها.. لا أصل لها في واقعنا الذي نحيا..
فكيف نبتغي محاكاتها أو محاكاة كل من يتفنن ببثها عبر مراياه “المنمقة”..؟!
أكثر مثال يمكن أن يعبر عن استفحال ظاهرة “اختفاء الواقع” التي تحدث عنها بودريار،وظهور “الواقع الفائق” بدلا عنه، ما يبدو عليه الأمر في فيلم “هي” حين يصور كاتب العمل ومخرجه (سبايك جونز) ما أصبحت عليه الحياة في مدينة على درجة عالية من التطور التقني.. عبر وقوع بطل الفيلم “ثيودور، خواكين فينيكس” في غرام برنامج/تطبيق ذكي يقوم بشرائه وتحميله لأجهزته المحمولة.
غرائبية الفكرة ليست ببعيدة عن الحاصل حالياً.. من نماذج لأشخاص يتخفون خلف حسابات شخصية تسعى إلى إنشاء علاقات فائقة السرعة.. غرضها الأساسي اختراق حاجز الملل أو البقاء بعيداً عن الالتزام بعيد المدى.
كل ما يقدمه “الواقع الفائق” عبر وسائل تواصل، غرضها فتح مجالات الاتصال مع الآخر، شكلياً، هو وجبات سريعة من عاطفة لمدة صلاحية محدودة جداً.
رؤية- لميس علي