سررت بالحفاوة التي استقبل بها أبناء منطقة الموحسن في دير الزور وصول مياه الري إلى أراضيهم، عبر إعادة بناء محطة ضخ القطاع الثالث التي دمرها الإرهابيون، قبل القضاء عليهم في هذا الجزء من عروس الفرات (ديرالزور)، وهو رمز لشظف العيش وقساوة الحياة إذا لم تدخله مياه الري.
فلقد أطلعني صديق مهندس في المؤسسة العامة للإنشاءات العسكرية، عمل في إعادة بناء تلك المحطة، على صور لحلقات الدبكة والرقص الشعبي والمناسف التي تشتهر بها المنطقة، بمناسبة تشغيل محطة ضخ القطاع الثالث على نهر الفرات وهي بطاقة ١٧،٥ م٣/ثا.
تروي هذه المحطة ١٢ ألف هكتار من الأراضي الزراعية في منطقة شبه صحراوية (بادية) وذات أمطار نادرة، معدلها المتوسط ١٠٤ ملم في السنة.
ولَم أستغرب فرح الفلاحين هناك، ذلك أن تلك المياه ستتيح لهم زراعة القمح في الشتاء والقطن في الربيع، والخضار ولاسيما البامية في الصيف، ما يسهم في تغيير أوضاعهم المعيشية مساهمة كبيرة.
نعم هنالك ١٢ ألف أسرة على الأقل ستنتقل من البطالة وشراء المواد الغذائية إلى الإنتاج الوفير والتسويق، وسينجم عن عملها ربح وطني كبير، ذلك أن دمار الحرب العدوانية اضطرنا إلى استيراد مثل هذه المنتجات الزراعية بالدولار، علماً أن الحصول عليها – مع التسديد بالدولار – ليس سهلاً بسبب الحصار.
بديهي أن المشروع الثالث ليس محطة ضخ وحسب بل هو أقنية ري وصرف احتاجت إلى تأهيل وتقدر تكلفة كامل المشروع بـ ٤ مليارات ليرة سورية. وتساهم في إنجاز أجزائه الثلاثة إلى جانب الإنشاءات العسكرية، شركة المشاريع المائية ومؤسسة الإسكان العسكري.
فلقد تم تعزيل المصارف المكشوفة التي تحولت إلى مكبات متنوعة، ويجري السعي إلى أحياء آبار الصرف العمودي للحد من تملح الأراضي الزراعية، فأغلبنا يعرف أن أراضي عروس الفرات الزراعية تعاني من زحف الملوحة عليها ما ينأى بها عن أن تكون أرضاً معطاء منتجة للمحاصيل الزراعية. ونجحت تلك الآبار نجاحاً باهراً (قبل الحرب) في خفض منسوب المياه في الأراضي الزراعية عبر قيامها ليلا نهارا بنضح المياه من الحقول إلى سرير نهر الفرات، ذلك أن المنسوب المرتفع للمياه في تلك الأراضي يؤدي إلى تملحها. كانت تلك الآبار تعمل على الكهرباء ٢٤/٢٤ ساعة ومع مجيء الإرهاب، توقفت عن العمل وسرق الإرهابيون الشبكات ومحطات التحويل.
ولعلنا مع خبر ري القطاع الثالث نشهد تجسيداً لحتمية إعادة البناء لسورية الحبيبة، إنها إعادة بناء في القطاع الزراعي وهو مهم جداً، في الماضي وحالياً وفي المستقبل، ويكفي أن نشير في هذا السياق إلى أن مردود هكتار القمح المروي يصل إلى ٧ أطنان قمح في السنة، أي ما يقرب من٥٤٠٠٠ طن من القمح فقط في هذه المساحة، وامتيازها أنها محررة من الإرهابيين والمحتلين الأميركان والأتراك.
وما يفرحنا أكثر أن المعلومات التي حصلنا عليها تشير إلى أن إعادة تأهيل القطاع الخامس (خمسة آلاف هكتار) تقترب من الإنجاز، كما أن القطاع السابع (عشرة آلاف هكتار) هو قيد الإعلان عن إعادة تأهيله، ما سيرفد البلاد بإنتاج زراعي مهم ووفير، عبر استثمار مياه نهر الفرات في الري، علماً أن سرير النهر بعيد عن الأراضي الصالحة للزراعة وأخفض منها ما يعني أن الري من سرير النهر مباشرة غير ممكن على الإطلاق.
إن هذه المنجزات الجديدة تحد كبير لأعداء سورية الذين يشككون بقدرتها على النهوض ثانية، وينشرون الأكاذيب والافتراءات، لصوغ صورة معاكسة ومناقضة للواقع لمنع المهجرين السوريين من العودة إلى أراضيهم الزراعية الخصبة، بدلاً من العيش، في مذلة، يأنفها السوريون.
إنها دون شك التنمية المستدامة التي تشيد بنى تحتية كبرى، إنتاجية وخدمية لأجيال كثيرة متعاقبة، فعطاء الأرض لا ينضب أبداً.
وكم أتمنى أن تكون ورش عمل الإعلام التنموي النظرية والعملية مواكبة لهذا الحراك التنموي رداً على الساخرين والشامتين، إذ دون مثل هذا الأداء من الصعب أن ندرك تلك الحقائق الصعبة، لكن إدراكها ضروري جداً لنقل صورة موضوعية عن واقعنا المشرف، ذلك أن عجلة البناء تدور على الرغم من أن الحرب على سورية لم تنته بعد، والاستعداد لتحرير ما بقي من مساحة في يد الإرهابيين، جار على قدم وساق.
إن مثل هذه المشاريع الإنتاجية الكبرى هي سبيلنا لمواجهة الغلاء الفاحش، وخفض أسعار السلع والمنتجات الغذائية والصناعية وهو الطريق لاجتثاث الازدحام الفائق والاستثنائي على بعض السلع الأساسية، بدلاً من التشخيص لواقع بات الأعمى يشعر به بحدس بصيرته، وبدلاً من أن نلعن على الطالعة والنازلة من يتفانون في أقسى الظروف لصوغ بدائل مريحة لكل الناس، ملتمسين العذر في أن الناس أعداء لما جهلوا.
أروقة محلية- ميشيل خياط