الثورة اون لاين :
عندما نضغط على الدوائر المخفية في الغطاء البلاستيكي للمشروبات الغازية، فإنها تصبح محدبة أو مقعرة، ومثل هذه المواد أو البُنى التي تستقر على أحد وضعين تمثل ما يعرف بالمواد ذات الاستقرار الثنائي.
فقد أظهر فريق من الباحثين من جامعة بوردو الأمريكية أن صفيحةً مكسوّةً بهذه الدوائر أو القباب، تخزن الطاقة، وتتمتع بقوة كافية لتأدية المهام الميكانيكية، حتى أنها قابلة للبرمجة وتخزين البيانات ومعالجتها وكأنها حاسوب ميكانيكي.
قال أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة بوردو «الاستقرار ثنائي الحالة ظاهرة طبيعية مهمة، فمثلًا حشرة أبو مقص لها أجنحة مطوية ثنائية الاستقرار تنفتح بقليل من الطاقة، ويهدف عملنا إلى صنع هياكل قابلة للبرمجة مستوحاة من هذا الاستقرار الثنائي.»
وبدأ فريق أرييتا بتطوير هيكل بسيط، على شكل صفيحة مسطحة مساحتها بوصة واحدة مربعة، ولها قبة بارزة، طُبعت بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد من البولي يوريثين الحراري. فعند الضغط عليها بالإصبع، يتغير شكل القبة بسرعة لتصبح محدبة أو مقعرة، وحين جربوا طباعة شبكة من تلك القباب مؤلفة من ثلاثة صفوف (في كل صف ثلاث قباب) لاحظوا سلوكيات جديدة.
وقال أرييتا «حين نقلب قبتين قريبتين من قبة ثالثة، تتفاعل القباب الثلاثة مع بعضها، وبقلب عدد أكبر من القباب وفق نموذج معين، تبدأ الصفيحة كلها بالانحناء بشكل كروي، وتبعًا لعدد القباب المقلوبة وتوضعها، نحصل على أشكال مختلفة.»
ثم شرع الفريق بتجربة صفائح ذات عدد أكبر من القباب، وحصلوا على أشكال أكثر تعقيدًا، فمن خلال الضغط على قباب معينة نحو الداخل أو الخارج، أخذت الصفيحة أشكالًا متعددة كالأسطوانة أو النجمة أو سرج الحصان.
وقال أرييتا «تشكل هذه القباب ذات الاستقرار الثنائي مجتمعةً مادة خارقة جديدة، تمتلك حالات استقرار متعددة، ويُطلق على هذه الظاهرة اسم الاستقرار التراتبي المتعدد.»
فكيف نستفيد من ظاهرة الاستقرار التراتبي المتعدد؟ لتوضيح ذلك أكثر، فقد صمم فريق أرييتا ذراعًا آليةً بسيطةً تشبه قبضة اليد باستخدام صفين من القباب، فعندما تكون القباب مقعرةً، تظل الذراع القابض مفتوحة، ولكن بتطبيق قدر ضئيل من ضغط الهواء لجعل القباب محدبة، تنقبض الذراع بإحكام بما يكفي للإمساك بوزن صغير وحمله.
وقال أرييتا «من السهل الإمساك بشيء ما، لكن الاستمرار بإمساكه يتطلب صرف الطاقة باستمرار، وينطبق هذا على البشر والآلات، لكن المثير للاهتمام في الذراع القابضة هذه أننا حين نقلب القباب التي تسبب انغلاق القبضة، فإننا في الواقع نخزن الطاقة بداخلها، وتستخدم الذراع تلك الطاقة للحفاظ على قبضتها، بدلاً من طلبها من مصدر خارجي، فنحن في الأساس نستخدم الهيكل نفسه كبطارية ميكانيكية.»
وأعرب عن أمله في الاستفادة من التقنية في الروبوتات المرنة بقوله «من الصعب تصنيع يد روبوتية تمسك الأشياء كاليد البشرية، وذلك بسبب العدد الهائل من المحركات والمستشعرات المطلوبة، ولكن إن صنعنا الجلد من هذه الصفائح وطبعنا قبابًا مفردة على ارتفاعات مختلفة، فعندئذٍ نتحكم بعدد وموضع القباب التي نريد تفعيلها ومستوى ضغط الهواء المستخدم لذلك، فمن خلال برمجة ضخ الهواء على شكل اندفاعات ذات ضغط محدد، نتمكن من تفعيل مصفوفة من القباب والوصول إلى حالة الاستقرار المتعدد بوضعيات امساك مختلفة، وبأقل قدر من الطاقة.»
فقد اكتشف فريق أرييتا بالإضافة إلى تنويع ارتفاع القباب، أن تفعيلها بترتيب مختلف ينتج أشكالًا مختلفةً كليًا.
ومع هذه السمات الثلاث (الارتفاع والتموضع والترتيب) تنتج الصفائح -وحتى الصغيرة منها ذات العدد المحدود من القباب- عددًا كبيرًا من الأشكال المحتملة، ما قاد أرييتا إلى الخطوة التالية، وهي الحوسبة الميكانيكية.
وقال «عندما نفكر في الأمر، فإن هذه القباب المحدبة والمقعرة تشبه إلى حد كبير النظام الرقمي الثنائي (1 و0) الذي تتكون منه بيانات الحاسوب. لنتخيل أن برمجة صفيحة كهذه تحصل بالضغط على القباب في مواضع محددة وبترتيب معين، ثم قراءة البيانات ميكانيكيًا بناءً على شكل الصفيحة الناتج، ذلك ممكن دون طاقة كهربائية ولا معالج مركزي، وبهذه الطريقة ستتصرف الآلات المستقبلية بطريقة أشبه بالحيوانات، والتي تستخدم الاستشعار والمعالجة الميكانيكية لتتفاعل بسرعة أكبر.»
وعلى الرغم من مساهمة الرياضيات والمحاكاة الحاسوبية بقدر كبير في هذا البحث، فإن مجرد حمل تلك الصفيحة المكسوة بالقباب بين أصابع اليدين يعطي إحساسًا غريبًا بالرضى.
لم نفهم حقا كم كان الأمر ممتعًا حتى بدأنا التعامل معها بأيدينا. قد يبدو اللعب بتلك القباب أمرًا ممتعًا، إلا أن الفكرة وعلى الرغم من بساطتها فقد تُحدث تغييرًا مهمًا في هذا المجال.»