لم يكن اللعب على المفاهيم والمصطلحات والشعارات التي يصدرها القاموس الغربي إلى معاجمنا كشعوب مقاومة مناضلة تعمل على صيانة استقلالها وسيادتها إلا تجارة رابحة من نوع آخر على صعيد استهداف الفكر واللاوعي والسلوك الغريزي عند المواطن والإنسان بشكل عام، ولعل تقسيم العالم إلى معسكرات شرقية وغربية، نظم رأسمالية واشتراكية، دول جنوب وشمال، ودول نامية قد فعل فعله على صعيد الحروب والصراعات الدائرة لسنوات طويلة إن لم تكن لقرون..
في حرب المفاهيم جسدت أنظمة الشر في عقول نصف أبناء الكرة الأرضية مصطلحاً مشهوراً بما يسمى دول العالم الثالث الذي يحمل في مضمونه مفردات التخلف والجهل وأن هناك حاجة دائمة إلى تطويرها، وهذا يعني بالعين الغربية المفتوحة على شهية الاستعمار زيادة الاستغلال والاستعباد والسيطرة على مقدرات وطاقات شعوب تلك الدول، بما يتيح لها من نهم وشراهة عبر أذرعها وشركاتها العابرة للقارات والمتعددة الجنسية وبنوكها النقدية ومنظماتها الكثيرة التي اتخذت من شعار الإنسانية وحقوق الإنسان غطاء لها لتعمل بخبث ونعومة وطريقة ماهرة لرصد مواقع ومكامن الضعف والقوة في أي بلد يوضع على قاعدة الاستهداف.
وإذا ماعدنا بالذاكرة قليلاً إلى تفاصيل عملنا كصحفين ومشاركتنا في العديد من المؤتمرات ورصدنا لما يدار في حلقات البحث وورش العمل، ندرك وبعصف ذهني كيف كانت بعض المنظمات الدولية بتسمياتها المختلفة أكثر ما تركز عليه فيما يخص موضوع المرأة هو العنف القائم على النوع الاجتماعي أي ضدها من زوج، وأهل، ومجتمع عبر آلية رتيبة تكاد تتكرر في كل مناسبة موسمية من عام إلى آخر، ناهيك عن مفاهيم الطفولة والأزمات التي يتعرض لها الشباب المراهقون من خلال القفز إلى بحث النتائج دون الغوص بالأسباب وبعض العوامل المجتمعية الضيقة المتعلقة بالعادات والتقاليد لبعض المناطق الجغرافية..
لقد حاولت العولمة باختصاصاتها المتعددة أن تعولم صغائر الأمور وتبرزها كمشكلات أساسية ينظر لها المرء من منظار العيوب الجسيمة في أي مجتمع تستهدفه، وإن هناك تقصيراً لا يغتفر من قبل المجتمع والحكومة، متعامية بشكل مقصود ومدروس عن كل ما هو إيجابي ومنطقي وحقيقي ومعمول به على الواقع.. لكن ذلك لا يهم في عيون العولمة واللبرلة الجديدة التي شيطنت كل شيء سوى التركيز على أجزاء المشكلة لتغدو هي المشكلة. بهدف تضليل الفكر والوعي وقلب مساحات البياض إلى مرتع للشر والسواد.
عين المجتمع -غصون سليمان