جرى الحديث هنا الأسبوع الماضي كيف أن مهرجان القاهرة السينمائي استثنى موسيقا إلياس رحباني من الجوائز التي منحها لفيلم (دمي ودموعي وابتسامتي) وهي الموسيقا التي انتشرت أكثر من الفيلم ذاته، حتى أن كاتبة مصرية عادت للحديث عن هذه الموسيقا بعد نحو خمسين سنة من إنجازها.
ففي عدد مجلة (اليوم السابع) الصادر بتاريخ 4 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أي قبل رحيل إلياس رحباني بشهرين، نشرت الكاتبة ناهد صلاح مقالة حملت عنوان (دمي ودموعي وابتساماتي.. الموسيقا طوق نجاة) جاء في مطلعها أن الفيلم أُخرجَ في «عام بعيد نسبياً عن جيل أو أكثر لم يكن قد وُلد بعد، ولا شاهد الفيلم لكنه ارتبط بتلك الموسيقا التي لازالت تصدح حتى هذه اللحظة كواحدة من مفاتيح الرومانسية والمشاعر الجياشة.. ولعله ههنا أيضاً يكمن السؤال حول أهمية الموسيقا من هذه الناحية، كطوق نجاة، وخصوصاً إذا كانت موسيقى تصويرية في فيلم، فكيف يمكن أن تمر في عالمنا ومجتمعاتنا التي تهتم أكثر بالكلمات، تصغى للأغاني وترددها بحماس، بينما لا تشغف بالسيمفونيات والمقطوعات الموسيقية؟.. » وبعد تحليل عميق لموسيقا الفيلم تختم الكاتبة مقالتها بالقول: « وبقيت موسيقا مقدمة (دمي ودموعي وابتساماتي) حاضرة في ذاكرة الجماهير بتقاسيمها الموحية، داعمة لأهمية الموسيقا التصويرية، بل مؤكدة على أنها قد تصبح هي الأشهر من الفيلم والحكاية».
هذا الرأي يدعم وجهة نظر من تحدث يومذاك عن انحياز لجان التحكيم المصرية لأعمال المصريين، لكن هذا الأمر لم يقتصر على السينما، وإنما كان للدراما التلفزيونية نصيب كبير منه، ففي مهرجان القاهرة الثاني للإذاعة والتلفزيون عام 1996، لقي مسلسل (أخوة التراب) لمؤلفه حسن م يوسف ومخرجه نجدت أنزور تقديراً كبيراً من لجنة تحكيم المهرجان، وكانت أعمال أنزور الأولى قد فتحت حواراً حاراً، وحاداً أحياناً، امتد لخارج سورية وتحول في بعض الحالات إلى انتقادات شخصية بشعة تصل درك الشتائم، خاصة حين شارك فيه بطريقة غير لائقة بعض الدراميين والصحفيين المصريين (بمؤازرة بعض السوريين)، وقد تسببت هذه الحالة بعد وقت قصير بصدمة كبيرة أصابت القائمين على مهرجان القاهرة التلفزيوني حين منحت لجنته مسلسل (أخوة التراب) الجائزة الذهبية للمهرجان، وكادت قوة الصدمة أن تودي بالمهرجان بأكمله حين حاولت إدارته إعادة تشكيل لجنة التحكيم، بعد أن انتهت من عملها وسلمت نتائجها، من أجل تغيير النتيجة وحرمان نجدت أنزور من جائزته المستحقة، وكان يمكن لهذا الأمر أن يحدث لولا تهديد الأستاذ صفوان غانم، مدير التلفزيون السوري آنذاك، بالانسحاب من المهرجان في حال حصول أي تغيير على النتائج، رغم أن المسلسل كان من إنتاج شركة خاصة وليس من إنتاج التلفزيون.
وفي الجانب الآخر كانت هناك حالة مختلفة، إنما في المسرح ففي مطلع التسعينيات، وأثناء انعقاد مهرجان المسرح الخليجي في أبو ظبي، قدمت فرقة خليجية عرضاً مسرحياً عن نص لوليد إخلاصي أثار حواراً واسعاً، ونال تقديراً رحباً من كبار المسرحيين العرب، ضيوف المهرجان، الذين أكثروا من الثناء على النص وكاتبه، وعلى اختيار الفرقة المسرحية له، غير أن مفاجأة من العيار الوضيع كانت بانتظارهم جميعاً، فمواجه باب القاعة التي جرى فيها مناقشة العرض وقف صحفي يعمل في صحيفة إماراتية، ليقول بصوت مسموع أن النص مسروق من قصة قصيرة لأديب سوري آخر، كان الصحفي المغترب بالغ التكلف في استعراضه ولم يبدل في رأيه الجاهل المتعالي بغباء تصحيح بعض الحضور لمعلومته المغلوطة، ومحاولة إفهامه أن النص المسرحي يحمل مقولة مغايرة كلياً للقصة القصيرة، وأنه بكل الأحوال، قد كُتِبَ قبلها بسنوات، بل أنه سارع إلى نشر (اكتشافه الصحفي الأرعن) مفاجئاً به صباح اليوم التالي حضور المهرجان الذين تجول بينهم كطاووس أخرق، غير مبالٍ بمشاعر الازدراء التي أحاطه بها العارفون، مستمتعاً بما ناله من اهتمام أشباهه.
بعد هذه الحكايات يحق السؤال:
أيهما أسوأ: الانحياز لمبدعي البلد، أم السعي للإساءة إليهم والانتقاص من شأنهم لسبب شخصي أو عقدة نفسية؟.
إضاءات- سعد القاسم