ترددتُ كثيراً في الكتابة عن اتحاد الفنانين التشكيليين قبل الانتخابات الأخيرة حتى لا يبدو ذلك ترويجاً لأي مرشح، وبعدها لأن إبداء الرأي في نتائج الانتخابات محكوم بما سيفعله المكتب التنفيذي الجديد، وأمامه كثير من المهام الشاقة الناجم أكثرها عن بنية الاتحاد، والظروف المحيطة به.
من جهتي لست عضواً في الاتحاد، فقد تم تجميد عضويتي فيه لتأخري في سداد الرسوم النقابية، وهي حق للاتحاد لكن ما لم أجده كذلك هو المطالبة برسوم إضافية مقابل (إعادة الارتباط)، تنفيذاً لقرار خاطئ من المؤتمر العام السابق، أدى إلى خسارة الاتحاد لمجموعة هامة من أعضائه القدامى الهامين، والمؤسف أكثر أن هذه الخسارة لم يُشر إليها أيٌ كان في المؤتمر الأخير ولست أرغب في الاسترسال في هذا الأمر وإنما سقت ما سبق لأقول- بحياد- أن المكتب التنفيذي السابق وعلى رأسه الفنان الدكتور إحسان العر قد قام بجهد كبير لتجاوز الكثير من الثغرات والأخطاء، وهو جهد يستحق الشكر حقاً، وتجربة جديرة بالاستفادة منها، حتى لا ينطلق كل تجديد من الصفر، وفي هذا السياق أستعرض تجربة نقابية هامة تعود الى أكثر من ثلاثين سنة مضت.
ففي عام 1998 عقدت نقابة الفنون الجميلة مؤتمرها التاسع، وفيه تم انتخاب مجلس إدارة جديد كان بين أعضائه الفنان نزار صابور الذي دخل إليه مفعماً بالطموح والرغبة في عمل شيء جديد، وفي الاجتماع الأول للمجلس اُتخذ قرارٌ بأن يتقدم الراغب في ترؤس مكتب ما من مكاتب النقابة بخطة عمله حول هذا المكتب، على أن يجري التصويت على خطط العمل لا على الأشخاص، وكان نزار الوحيد الذي استجاب للقرار، فقدم خطة عمل متماسكة وطموحة لمكتب المعارض، أجمع أعضاء المجلس على إبداء إعجابهم بها، لكن أكثريتهم اختارت عضواً آخر من المجلس ليرأس هذا المكتب!!.
لم يحل هذا الإحباط المبكر بين نزار وأحلامه، فتقدم بعد بضعة أشهر باقتراح لإقامة معرض للشباب، وما أن تمت الموافقة عليه حتى أتبعه بخطة متكاملة تتضمن أسس المعرض، ومعايير المشاركة، ومصادر التمويل، وأرفق ذلك بتوصية أن تكون لجنة التحكيم، للمعرض الأول على الأقل، من خارج أعضاء المجلس، وأن يتم اختيارها من أسماء معترف بأهميتها في الساحة التشكيلية، وهذا ما كان فعلاً، فتشكلت لجنة التحكيم من الفنانين والنقاد: نذير نبعة، إلياس زيات، إحسان عنتابي، نذير إسماعيل، مصطفى علي، صلاح الدين محمد، ونعيم شلش.
حقق معرض الشباب نجاحاً كبيراً لجهة سعة المشاركة وسويتها، وكذلك على مستوى التنظيم والرعاية، وكانت المرة الأولى التي تقوم فيها جهات خاصة بدور الراعي الإعلاني لفاعلية تنظمها نقابة الفنون الجميلة، فقدمت صالة أتاسي، وشركة (لوفران بورجوا)، و(مؤسسة أكاديميا)، الجوائز المادية والعينية للفائزين الشباب، الذين أصبحوا يحظون اليوم بأهمية كبيرة في الساحة التشكيلية السورية، شأنهم في ذلك شأن معظم الفائزين في الدورات التالية للمعرض، وقد صاروا يحرصون على ذكر الجوائز التي نالوها منه، أو حتى مجرد مشاركتهم فيه، في بطاقات التعريف الخاصة بهم، وفي أدلة معارضهم، وقد نال جوائز المعرض الأول: إسماعيل نصرة، ساره شما، نصر ورور، نهاد الترك، فادي يازجي، لؤي صلاح الدين، علي العبود، ربيع رعد، علي العلي، ياسر الكردي، منال نخلة، نذير الشامي، زبير يوسف، وحسان حرفوش، ومن الذين نالوا جوائز في المعارض التالية: عمران يونس، مطيع مراد، هزار عيسى، محمد عمران، صالح نمر، كوثر صالح، عروة أبو ترابة، ريم طراف، محمد إلياس، ياسر صافي، روان الماضي، عبد الرحمن عبد الغني، إياد بلال، سوزان عبود، مهند ديب، عبد الكريم مجدل بك، نهاد الترك، عبد الحميد عبد الله، ريما حمزة، حسكو حسكو، قيس سلمان، منيف عجاج ،إيمان حاصباني، رولا بريجاوي، وباسل السعدي.
وقد أرسى النجاح الذي حققه معرض الشباب، والصدى الإيجابي الواسع الذي رافقه وتلاه، فكرته في النقابة حتى بعد مغادرة نزار لمجلس إدارتها، وصارت للمعرض تقاليد راسخة وحضور محترم في الحياة الثقافية والتشكيلية إلى حد اختيار مشاركين فيه لتمثيل الفن التشكيلي السوري في (بينالي المحبة) في اللاذقية عام 2003 الذي خصص للفنانين الشباب العرب، كان ذلك قبل إحداث معرض الشباب السنوي الذي تنظمه مديرية الفنون الجميلة في وزارة الثقافة، وكان ذلك مثالاً مشرقاً عما يمكن للتنظيم النقابي فعله في إطار الارتقاء بالمهنة، مثلما كانت مجلتا (التشكيلي السوري) و (الفنون الجميلة) اللتان أصدرتهما النقابة فالاتحاد- لبعض الوقت- مثالاً مشرقاً عما يُمكن فعله في مجال الارتقاء بالثقافة التشكيلية.
وأصدق التمني أن تكون هناك أمثلة جديدة مشرقة مع المكتب التنفيذي الجديد، وأن يحقق النجاح لا في حفظ حقوق أعضائه فحسب، وإنما- وقبل ذلك- في حماية مهنة صفتها الأساسية أنها مهنة إبداعية ثقافية.
إضاءات -سعد القاسم