ليس تعثراً على مطبات السياسة وطرق الدبلوماسية أو فجاجة في التصريحات فقط ما يوسم أولى خطوات بايدن في الحقول التي أرادتها واشنطن دائمأ شائكة ومفخخة قابلة بأي لحظة للانفجار، وطبعاً الرغبة بالسطوة والاستئثار بالهيمنة هي الدوافع والمحرك لكل الشرور الأميركية على الخريطة الدولية، ليس تعثراً إذاً بل إن بايدن يرسم ملامح فترته الرئاسية بأقلام الأخطاء القاتلة إياها، مقفلاً أبواب العقل واستيعاب التغيرات الدولية الحاصلة التي تدلل بوضوح إلى أن أميركا ليست قطباً آحادياً سيبقى جاثماً على أنفاس العالم، فثمة أقطاب أخرى صعدت بقوة واتزان كابحة للهيمنة الأميركية، فبايدن يلقي أوراق الدبلوماسية على قارعة الهيمنة الأميركية التي تأكلت صورتها وتلاشى جبروتها عالمياً بعد أن لاح في أفق السياسة وحتى الاقتصاد نجما الصين وروسيا كقطبين منافسين، إيقاعهما مختلف وتعاطيهما بأخلاق واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها يعزز مكانتهما عالمياً، ويمكنهما من انتزاع صاعق التفخيخ الأميركي وألغام التعديات الجائرة التي لغمت فيها الإدارات الأميركية المشهد العالمي لعقود زمنية.
حتى اللحظة الراهنة ومن خلال ما نلحظه من توتير للأجواء السياسية والدبلوماسية واعتماد سياسة التحشيد الهجومي في الخطابات والتصريحات الأميركية ندرك أن بايدن ولاعتناقه نهج الكاوبوي الأميركي لا يستطيع أن يعيد العربة الأميركية إلى سكة الصواب القانوني الدولي، ولايريد أن يكبح جماح الشر والرغبة بالاستئثار بالهيمنة اللاأخلاقية المنفلتة من عقال الضوابط الملزمة دولياً، والتي أولى أولوياتها احترام سيادة الدول وضبط إيقاع التعاطي معها وفق الأعراف والمواثيق الدولية التي تلزم بعدم التدخل بشؤون الدول الداخلية.
تصر إدارة بايدن على تفخيخ المشهد العالمي وتنسف بأزرار تصريحات حكامها ومفاصل إدارتها كل طرق التلاقي مع الدول على ضفاف احترام سيادتها وعدم التدخل السافر في شؤونها، وتلقي في سلة مهملات البيت الأبيض كل ادعاءاتها السابقة، وتتنصل من كل الطروحات التي تحدثت عن ضرورة عودة أميركا إلى جادة الصواب السياسي والأخلاقي والقانوني الدولي، فما تعانيه الإدارات الأميركية المتعاقبة من تورم للغطرسة العدوانية يطغى ليس فقط على منطق العقل إدراك المعطيات الدولية التي تغيرت بما لا يرضي غرور العنجهية الأميركي، بل يدفعها للانزلاق أكثر إلى هاوية الفشل الذريع على كل المستويات ويريق آخر ما تبقى من قطرات هيبة “دولة عظمى” يصر حكامها على جعلها مارقة على القوانين ومنتهكة للحقوق.
سيدرك بايدن عاجلاً أم آجلاً أن عهد العنجهية الأميركية ولى وأن ثمة أقطاباً صعدت وثبتت مكانتها بقوة بعيداً عن المهاترات الأميركية، وأن منطق القوة والعربدة والتهديد والوعيد لم يعد مفعوله سارياً في ظل تنامي الرفض العالمي لسياسة البلطجة الأميركية، وأنه على واشنطن أن تعيد حساباتها الخاطئة وتبتعد عن أسلوبها الفج والممجوج بفرد العضلات البهلواني.
حدث وتعليق- لميس عودة