في حادثة طارئة وقعت منذ أيام قليلة، فشغلت العالم أجمع، ونالت اهتماماً كبيراً لما لانعكاساتها الاقتصادية من تأثيرات سلبية على مستوى التبادل التجاري العالمي، ألا وهي حادثة إغلاق قناة السويس، ذلك الممر المائي البحري الذي هو من أهم الممرات التجارية العالمية، بسبب جنوح السفينة العملاقة، أقول إن تلك الحادثة دفعت واحدة من أشهر القنوات التلفزيونية الإخبارية الغربية لأن تطلق مبادرة من نوع خاص جداً لعلها سابقة نالت استحسان البعض، بينما سخرية بعضهم الآخر، إذ توجهت القناة إلى مجموعة من الأطفال لتجري معهم استطلاعاً حول ما جرى، مادام الصغار لم يعودوا منفصلين عما يدور حولهم من أحداث، وبالأخص تلك التي تلقى اهتماماً إعلامياً واسعاً، وهم يلتقطون الكلمات، والتعليقات من هنا، ومن هناك، ليُسأل هؤلاء الأطفال عن حلولٍ للخروج من الأزمة المأزق.. والحلول بالطبع لن تأتي ناضجة كاملة من خلال هؤلاء الصغار، ولن تكون بالتالي هي الإنقاذ، إلا أنها فكرة السؤال الذي يتوجه إلى عقول غضة لا تزال أسيرة فطرتها: “كيف برأيك يمكن أن ننقذ المكان من تلك السفينة التي أغلقته؟”، كما أنها حالة الإنصات، مع الاهتمام بالجواب، وتبادل الآراء، وإقامة الحوار، لعل هذا الإشراك للصغار يفتح صندوق الأفكار المغلقة على إجابات مبتكرة، وبسيطة بآنٍ معاً بمقدار بساطة الطفولة التي تفصح عنها بذكاء فطري، نقي، وعفوي، ولو كان الهدف من الاستطلاع في أساسه هو إخباري، أو دعائي، وليس للبحث عن حلول طفولية لمشكلة أربكت علماء، ومختصين في مجال الفيزياء، والبحار.
وأكثر ما استوقفني في هذا الحدث هو إفراد تلك المساحة من الاهتمام بالأفكار الجديدة، والمبتكرة لمن ولدوا في عصر الرقمية المذهلة، فأجادوا التعامل معها بمهارة على صغر أعمارهم، وتواضع تجاربهم الحياتية تلك التي لم تبدأ بعد سوى على نطاق الأسرة، والمدرسة. ومن جهة أخرى هو موضوع إدماج الأطفال في أحداث عصرهم بالتفاعل معه حتى لا ينعزلوا عنه.. لكن الأمر لا يقف عند هاتين الفائدتين فقط بل إن هذا الاهتمام يفتح لديهم باب الفضول لمتابعة الحلول التي أخذت مكانها على أرض الواقع، وأتى بها الكبار، والبحث عن أخرى جديدة، والفهم لما يجري بما يوسع الإدراك، ويدفع للبحث أكثر فأكثر عن طريق ما أصبح من أبسط الوسائل للوصول إلى المعرفة ألا وهي شبكة المعلومات، ويتحول الحدث عندئذ إلى فرصة لاكتساب معلومات جديدة، وربما مناقشتها مع مختص يشرح، ويوضح.. ليدرك الأطفال بعد ذلك التأثيرات العالمية للأحداث ولو كانت في أبعد نقطة عنهم، وهذا بدوره يخلق حالة من الوعي تكون لها تأثيراتها الإيجابية في المستقبل.
ومن خلال الحوار المتبادل بين الطرفين تنكشف بالتالي ميول الطفل، أو أن الحدث بحد ذاته قد يخلقها إذا ما تم التفاعل معه بشكل صحيح.. ليكون التوجيه بعد ذلك لكلٍ حسب المجال الذي يحبه، ويرغب بأن يتعلم فيه، ويندمج معه، مادام حب الاختصاص، أو المهنة هو سر من أسرار النجاح فيها.
وذلك النمساوي الصغير الذي يدعى (موزارت)، والذي لم يكن قد تجاوز الخامسة من عمره عندما بدأ يعلن عن موهبته في الموسيقا، وهو يراقب والده العازف، لم يكن ليُغني الفن الموسيقي بروائعه الخالدة ما لم تتنبه أسرته لملكاته الفنية فترعاها، وتشجعها، ولا تستخف بها، وتوفر لها الإمكانات اللازمة لانطلاقها، إلا أنها فعلت، وبكثير من الاهتمام، والتشجيع، ولولا شغف (بتهوفن) بالموسيقا لما تابع في إبداعاته الرائعة رغم الصمم الذي أصابه.
الحلول المبتكرة، والجريئة أصبحت سمة من سمات عصرنا الذي نتفاعل فيه مع الآلة الذكية، وهذا يستدعي بدوره السؤال عما تتضمنه مناهجنا الدراسية في مراحلها المختلفة ومدى مواكبتها لمستجدات زمنها بحيث تخرج من عباءتها القديمة التي كثرت ثقوبها، وكاد يأكلها الاهتراء.
إن موضوعاً واحداً يطرأ على ساحة العالم ويكون للعلم دوره الأكيد فيه لاشك أنه يستدعي الوقوف عليه في تحليل، وتدبير، وإتاحة الفرص أمام الحلول المبتكرة، وربما كمثال للتعليم في مناهج التدريس يجمع إليه عناصر معرفية مختلفة تتقاطع عند نقطة واحدة، وكمادة ممتعة، ومثيرة للاهتمام مادام الحدث ليس بعيداً عن الأذهان في المشاهدة، وسماع الأخبار.. ورعاية موهبة الصغير وما تنطوي عليه من إمكانات تتفتح في قادم أيامها هو أمر يستحق أيضاً أن نلتفت إليه، فلا ندعه يسقط في سلة الإهمال مادامت المجتمعات الإنسانية تتطلع إلى مزيد من الحلول التي تنقذ البشرية من مآزقها، وليس أولها استنفاد موارد الأرض، ولا آخرها جوائح العصر التي أصبحت حديث كل لحظة لا كل ساعة.
(إضاءات) ـ لينــــــا كيــــــــــلاني