قبل أكثر من قرن من الزمن استشرف الأديب، والشاعر السوري (أديب إسحاق) المستقبل، وما سيجري فيه على الأرض من عدوان غادر بين البشر فنظم أبياته التي تقول:
قتل امرىء في غابة جريمة لا تغتفر..
وقتل شعبٍ آمنٍ مسأَلةٌ فيها نظر..
لقد صدق هذا الشاعر السوري فيما قاله، الذي أصبح ينطبق أيضاً على المواقع العنكبوتية، فها هو الشعب الآمن في (غزة) إذ يتعرض للقتل تصبح قضيته مسألة فيها نظر من قِبل المواقع الإلكترونية الشهيرة للتواصل الاجتماعي فإذا بها تعزز وجهة نظرها بحجب الرواية الفلسطينية عما يجري على الأرض عن منصاتها، وتضع القيود للنشر، والمتابعة بحجة واهية لا تقنع حتى صاحبها وهي أن: (المحتوى غير مناسب).
ويا لهذا المحتوى الذي يقولون إنه غير مناسب، والذي يدفع لحجب الفلسطيني وحمم النار تنهمر فوق رأسه، والأضرار الجسيمة تقع من السماء على الأرض، من أن ينقل الصورة الصريحة إلى منصات المواقع الإلكترونية، بينما هم لا يحجبون ضمائرهم عن اغتيال الحق.. والصورة التي تُنقل لا تكذب، بل تتحدث بما هو أبلغ من الكلمات.. أم أنه (غير المناسب) هذا من عدوان إسرائيلي غاشم على شعب أعزل لا يصلح لأن يطلع العالم عليه
إن المحتوى الفلسطيني على شبكة العنكبوت الواهية لم يعد مرحَّباً به، فإذا بمئات الصفحات تُغلق، ومئات الحسابات التي تنقل الحقيقة سافرة كما تجري دون تبرير، أو تجميل تُلغى، وكأن طمس الحقيقة يلغيها أيضاً، وكأن عبارة” (مخالفة معايير النشر) تكفي لحذف الأفلام القصيرة التي توثق للأحداث، ولحذف سطور الكلمات التي تختصر المشهد ببضع عبارات.
ومادام الموت يتساقط من كل صنوف الأسلحة المدمرة للبشر، والحجر فوق البيوت الآمنة كحبات البرد من السماء في كثافتها فإن مشهد تهدم المنازل فوق رؤوس أصحابها، وموت الأطفال الأبرياء، واغتيال الإنسان، يتحدث من تلقاء ذاته عبر المنصات، أو دونها.. والضمير العالمي لا يجد أن محتوى الصورة ليس مناسباً لأن يطلع عليه ليعرف ماذا يجري في تلك البقعة المغتصبة من العالم.. والتباعد الجغرافي بين الشعوب لا يقف عائقاً في وجه الحقيقة التي خرجت لأجلها مسيرات الاستنكار في الغرب على وجه الخصوص.
إن الأضرار الجسيمة التي تلحق بالبنية التحتية، والدمار الهائل للمكان، والدماء التي تصبغ الأرض بلونها الأحمر، وجثامين الشهداء بالعشرات، تصرخ بأعلى صوتها أن بعض البشر هم ليسوا من البشر في ممارسات يقترفونها بحق الإنسان عموماً بغض النظر عن أي انتماء له.. وها هو ذلك الأب الفلسطيني الذي يعيش في قلب الحدث بعد أن انغرس في أرضه، وأرض أجداده كشجرة سنديان عتيقة يتبادل بعض أطفاله مع أطفال أخيه حتى إذا قُصف بيت أحدهما بقي له في البيت الآخر أحد من أولاده.
وإذا كان حدث كهذا يؤثر في القلب، وينغرس فيه كالسكين لا يشفع للفلسطيني أن يعبِّر عن غضبه، أو أن يصف ألمه عبر منصات المواقع الإلكترونية بينما أصحابها يتنادون إلى حرية التعبير حتى ولو كانت تتجاوز على أحد المعتقدات الدينية، فإننا نقول إن لنا كل الحق في هذه البقعة من الأرض في أن نستخدم أدوات العصر دون قيود زائفة، ودون أسلاك وهمية شائكة، والخوارزميات الرياضية التي تقوم عليها علوم الكمبيوتر لا تزال تحمل اسم العالم المسلم (الخوارزمي) وقد كان سبباً في وجودها.
وتظل شبكة العنكبوت واهية أمام شبكة الضمائر التي استيقظت في العالم لتصرخ، وتندد باستنكار عالمي عالي الصوت ضد ما يُقترف من جرائم الغزاة بحق فلسطين الذبيحة، والتي تنزف تحت وابل من القصف الذي لا يرحم شيخاً، ولا يوفر رضيعاً.. والضحايا يتساقطون كفراشات تقع فوق أتون ملتهب بالحقد، والنار، وسرقة الديار، والأعمار.
(إضاءات) ـ لينـــــــا كيــــــــلاني