بخلاف ما هو شائع بات الرسم الواقعي هو الأكثر التباساً وإشكالية، وبذلك تفوق على إشكاليات الفن التجريدي في أقصى حالاته الانفعالية، كما تجاوز إشكاليات الفن التركيبي والتجهيزي واللوحة المخبرية والضوئية وغير ذلك من اتجاهات فنية متطرفة في حداثتها. فالتطور الرقمي المذهل في عصرنا، أعطى أدعياء الفن الواقعي حصراً وسائل وطرقاً غير محدودة للوصول إلى لوحات واقعية رسمها الكمبيوتر، من دون أي تدخل منهم لا في الخط ولا في اللون، وعلى سبيل المثال يكفي إدخال صورة شخصية في البرنامج، حتى تحصل على بورتريه مرسوم بطريقة تقليدية أو حديثة، وبملامح الشبه كاملة، وهناك خيارات وأساليب لانهائية (بالألوان وبالأبيض والأسود) حتى توقيعك في أسفل اللوحة تضيفه من خلال البرنامج، وبعد ذلك يقوم هؤلاء الأدعياء بنشر هذه الصور على صفحاتهم، مدعين أنها من رسمهم وإبداعهم، ولقد انتشرت هذه الظاهرة على نطاق واسع على صفحات التواصل، وبمقارنة سريعة بين ضعف رسومات هؤلاء التي أنجزوها في محترفات كليات الفنون أو المعاهد، وبين قوة البورتريه الذي رسمه الكمبيوتر نكتشف مدى زيفهم ونفاقهم، وأساتذتهم أدرى بذلك، وبالطبع لا يشمل هذا الاتهام من يعملون ضمن إطار الفنون الرقمية، التي يتدخل فيها الفنان، وتلعب فيها موهبته دورها الحاسم، والأخيرة فنون معترف بها، وتُدرس كمادة في كليات الفنون.
كما أن هناك برامج ومواقع يمكن من خلالها الوصول إلى أساليب من كل المدارس الفنية الحديثة من دون أي تدخل من المستخدم، وكل ذلك يتم بسرعة قصوى تفوق سرعة الضوء، إلا أن الاتجاه الواقعي هو الأكثر انتشاراً واستخداماً، لأنه الأسهل والأكثر شعبية، ولهذا ارتكز فن “البوب آرت” على المقاطع الواقعية المرسومة أوالمطبوعة بوسائل متنوعة قديمة وحديثة. وفي كل الحالات يبقى نقل ما هو متوفر في الصورة أو في الواقع، أسهل من التحريف أو التحوير أو التجريد أو التكعيب، إلى آخر ما هنالك من فنون ابتكارية، لأن الفنان في الحالات الأخيرة يمتلك القدرة على الحذف والإضافة والوصول إلى البصمة الأسلوبية الخاصة. وهذا لا يقلل من أهمية الفن الواقعي، الذي تكرس على مر العصور، من خلال عباقرة أفذاذ لا يتكررون، ومنه تفرع الفن الرومانسي والانطباعي وسواهما.
رؤية -أديب مخزوم