عودة إلى البدايات التلفزيونية السورية، وعلى وجه التحديد بدايات الدراما التلفزيونية، حيث يتحد تاريخ هذه الدراما مع تاريخ تأسيس التلفزيون بحكم أن الانتاج الدرامي بقي مقتصراً على التلفزيون السوري لسنوات عدة، في حين أن الإنتاج الخاص بدأ بعد نحو ثلاثة عقود.
واجه الرعيل الأول من صنَاع الدراما التلفزيونية السورية صعوبات كبيرة في البدايات، وتحديداً قبل دخول (المونتاج)، حين كان على الممثلين تسجيل التمثيلية، أو حلقة المسلسل، دون توقف، وأصغر خطأ يحصل- حتى في اللحظة الأخيرة- يستوجب إعادة التسجيل منذ البداية، و يتحدث الدكتور صباح قباني في مذكراته التي نشرت تحت عنوان (من أوراق العمر) الصادرة في دمشق عام 2007، عن أن إحدى التحديات الرئيسية التي واجهت بدايات العمل التلفزيوني تمثلت في عدم توافر أجهزة تسجيل (فيديو تيب) لتسجل عليها البرامج قبل إطلاقها إلى الناس، فكان كل ما يقدم يجب إرساله على الهواء مباشرة، ويذكر بعد ذلك أن تمثيلية (ثمن الحرية) – عن نص لعمانوئيل روبلس أعده زهير براق- قُدمت على مدى ساعة ونصف الساعة على الهواء مباشرة أي دون تقطيع ولا إعادة ولا تسجيل، وقد ساعد على نجاح هذه المغامرة الدرامية التلفزيونية أن (ثمن الحرية) كان سبق وأن قدمت على مسرح سينما (فريال) فكان الممثلون الذين قدموها بعد ذلك على شاشة التلفزيون قد تدربوا عليها بشكل كاف وحفظوا أدوارهم فيها جيداً، وكان من أسباب النجاح الأساسية إضافة إلى كفاءة الممثلين: براعة المخرج – المذيع: عادل خياطة وكفاءة مدير الأستديو المخرج: رياض ديار بكرلي، فقد كان لمدير الاستديو دور أساسي في إنجاح هذا الشكل من العمل من خلال توليه مسؤولية التنسيق بين عمل الكاميرات وغرفة المراقبة وحركة الممثلين.
مع أن التلفزيون السوري قد بدأ إرساله في أواخر الشهر السابع من عام 1960 (23 تموز – يوليو ) فإنه أنتج خلال الأشهر الخمسة التالية لانطلاقته أربعة أعمال ذات صلة بالدراما التلفزيونية، فإضافة إلى (ثمن الحرية) أخرج عادل خياطة أيضا تمثيلية بعنوان (خدم سنة ألفين)، وأخرج خلدون المالح (الإجازة السعيدة) وهي أربع حلقات تلفزيونية شهدت أول ظهور تلفزيوني درامي لدريد لحام بشخصية كارلوس، وكذلك الظهور التلفزيوني الأول لمحمود جبر، ومن ثم أخرج خلدون المالح (سهرة دمشق) في حلقات أسبوعية على مدى عام كامل، وكانت بداية تكوٌن الثلاثي (غوار الطوشة وحسني البورظان وأبو صياح) الذي أصبح فيما بعد عماد أكثر المسلسلات التلفزيونية العربية نجاحاً وشهرة وانتشاراً، في حين شهد العام التالي منذ بداياته توجهاً نحو التراث الغنائي، ونحو إضافة مصدر آخر للدراما التلفزيونية هو الدراما الإذاعية، فأخرج نزار شرابي: (رابعة العدوية) لمؤلفها طاهر أبو فاشا وهي دوبلاج تلفزيوني للنسخة الصوتية المصرية، وأخرج جميل ولاية: (أيام وأنغام) من تأليف أديب السيد، وفي الاستعانة بالتجربة الإذاعية كان أمام رواد العمل التلفزيوني الإرث الثري للقصاص الشعبي حكمت محسن فأخرج رياض ديار بكرلي عن نصوصه بعد عودته من ألمانيا عام1962 (الأستاذ ترلم)، وأخرج نزار شرابي تمثيلية (نهاية سكير). وجمع جميل ولاية بين الحالين فأخرج عام 1962 أول سلسلة غنائية تلفزيونية من أعمال حكمت محسن في سبع حلقات تحت عنوان (نهوند).
لم تكن الأعمال المأخوذة عن كتابات حكمت محسن أول استعانة بكاتب محلي فقد سبق لسليم قطايا أن أخرج في مطلع عام 1961 مسلسل (ساعي البريد) عن نصوص كتبها بنفسه، والمؤسف أن هذا العمل الذي وصفه معاصروه بأنه على مستوى عال من الأهمية والجودة قد اختفى للأبد مع كامل أعمال سليم قطايا ومنها: (المستوصف، عشاء الوداع، رجل الشمع، القناع، راكبو البحار)، لا بفعل حدث طارئ أو خطأ فني غير مقصود، وإنما – للأسف الشديد – بحكم قرار أرعن أتخذه مخرج شغل موقعاً إدارياً، انطلاقاً من دوافع شخصية تفتقد أدنى إحساس بالمسؤولية.
إضاءات- سعد القاسم