ماذا فعلت طالبان؟

سيبقى منظر طائرة الشحن الأميركية وهي تقلع من مطار كابل محفوراً في أذهان البشر، فهو يعكس مأساة شعب وأمة تمثل حال شعوب وأمم عاشت الحال ذاته وعانت المعاناة نفسها وإن اختلفت صيغ الإخراج وتبدل الممثلون وتغيرت الأماكن والجغرافيا.

وسيبقى الحدث الأفغاني حاضراً ومؤثراً في الوضع الإقليمي والعلاقات الدولية لمدى طويل جداً، ومن المؤكد أن كابل ستحتل موقع الصدارة في نشرات الأخبار الرئيسية لفترة طويلة، وذلك تبعاً لحجم التغيرات والتطورات غير المتوقعة التي رافقت عملية انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان وما تلاها من سرعة سيطرة حركة طالبان عليها دون مقاومة أو مواجهة مع الجيش الذي بنته ودربته وسلحته الولايات المتحدة الأميركية، ودون أن يترافق ذلك مع عمليات قتل أو انتقام من جانب عناصر الحركة المعروفة بتشددها وقسوتها.

هل هزمت الولايات المتحدة الأميركية حقاً في بلاد الأفغان بعد عشرين عاماً من مشروع الحرب العالمية على الإرهاب؟ وهل استنفدت واشنطن مهمتها في تلك البلاد لتعيد تسليمها لعدوتها طالبان التي شنت حربها عليها عام ٢٠٠١ وتعود اليوم لتعيدها بقرار منها إلى القصر الجمهوري ودار الحكومة في كابل؟.

وما أوجه الشبه والاختلاف ما بين منظر تساقط الأفغان وهم يتساقطون من الطائرة في مطار كابل اليوم، وبين منظر تساقط الفيتناميين من الحوامة الأميركية فوق مبنى السفارة الأميركية في سايغون عام ١٩٧٥؟.

باعتقادي أن ثمة تقديرات وتوقعات متباينة ومتناقضة تحمل كل واحدة منها عوامل تدعم احتمال صحتها وصدقها، فانسحاب القوات الأميركية من أراض احتلتها هو هزيمة دون أدنى شك، لكن ما يحدث اليوم في أفغانستان هو انسحاب آمن وهادىء لم يأت بعد مواجهة عسكرية أو معركة مفصلية جعلت الانسحاب أمراً مفروضاً، بل على العكس بدت العملية وكأنها عملية تسليم واستلام بين قطعتين عسكريتين تبادلتا المواقع وفق خطة تكتيكية معدة مسبقًا.

وفي الجانب الداخلي أظهرت حركة طالبان صورة وسلوكاً وتعاملاً غير المتوقع والمعهود، فكانت الدعوات للتسامح في ظل اليد الممدودة للحكومة السابقة للتعاون في تشكيل حكومة مركزية قوية ليس فيها مكان للفساد، مع تقديم طمأنات بالأمان لكل من تعامل مع المحتل الأميركي مع استمرار السماح بالرحيل للراغبين، وإن كان ذلك لا يخلو من مضايقات، توصف دوماً بأنها فردية، ولا تمثل موقف طالبان، فما الذي تغير؟.

مختصر القول: إن تفاهمات سياسية سبقت هذا الحدث، وإن الولايات المتحدة الأميركية صاغت تفاهمات مع حركة طالبان على مدى السنوات الماضية أفضت إلى تسوية نرى وقائعها تخالف كل ما كان يراه المتابعون والمحللون، فهل ثمة سر آخر؟.

ببساطة نرى أن الولايات المتحدة الأميركية تجني وتحصد نتيجة أعمالها وتخطيطاتها السابقة، فهي من تولى الإشراف على تشكيل الجماعات المتشددة تحت مسميات الجهاد ضد الشيوعية وضد الوجود السوفياتي في بلاد المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي، وهي من استمر في إدارتهم وتوظيفهم حتى هذه اللحظة، وهي من يصوغ الخطط الاستراتيجية لتتوافق مع شكل المستقبل المنتظر.

وهذا القول لا يعني بالضرورة أن يكون قادة طالبان كلهم متفقين وموافقين وراضين بالرؤية الأميركية، بل يكفي أن يكون صانع القرار وصاحب الحل والعقد وحده من ينفذ التوافق، في ظل قناعة الآخرين بالفوائد والمكاسب التي تنعكس على الحركة، تلك الحركة التي خبرت وعرفت وذاقت طعم السلطة لأربع سنوات ولتنكفىء بعدها إلى الجبال والأماكن الوعرة بانتظار النصر على العدو الأميركي!.

ومن المتوقع أن حركة طالبان القادمة إلى الحكم من جديد ستسعى إلى تلميع صورتها وتقديم شكل جديد لها يلتزم المحافظة على حقوق الإنسان وحق المرأة في المشاركة واحترام القوانين الدولية والسعي لإقرار دستور وطني بما يفضي إلى اعتراف دولي يؤهلها لممارسة دور منتظر وفق رؤية أميركية، فواشنطن تصرح أن الخطر الأكبر لم يعد موجوداً في أفغانستان أبداً، لكنه يكمن في سورية والعراق، حيث تتواجد داعش، وفق تصريحات رئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن، بما يحمل ذلك من احتمالات ستظهرها قادمات الأيام.

معاً على الطريق- مصطفى المقداد

آخر الأخبار
مناشدات لتخفيض أسعار الأعلاف بعيداً عن تحكم التجار.. الشهاب لـ"الثورة": نعمل على ضخ كميات كبيرة في ا... الذهب يسجل أرقاماً جديدة.. والدولار دون السعر الرسمي بأكثر من 800 ليرة حملة "أنقذوا حمزة العمارين" تتصدر المشهد في السويداء وسط مطالبات بإطلاق سراحه أطباء بلا حدود: انهيار صحي واحتياجات إنسانية متفاقمة في سوريا رغم انتهاء الحرب جمال الأسواق الشعبية في سوريا.. عمارة تنبض بالهوية وتُعانق الحياة اليومية بين المعاهد التقانية وميدان العمل.. كفاءات وقوة في مشهد الاقتصاد والتنمية تقاذف للمسؤوليات والسكان يطالبون بحل.. أزمة نظافة حادة في جرمانا السلم الأهلي خط الدفاع الأول لبقاء الوطن 40 بالمئة انخفضت أسعار العقارات وتوقعات بموجة هبوط خبير عقاري يكشف لـ"الثورة".. أزمات السيولة والتضخ... لقاء أميركي أوروبي للتوصل إلى اتفاق تجاري وتجنب حرب تجارية التكنولوجيا ليست ترفاً.. المهندس هرم جمول لـ"الثورة": "الخطوط النارية" لحماية الغابات سوريا الجديدة.. سعي مستمر لصناعة السلام ودفع عجلة الاقتصاد القبض على عناصر خلايا إرهابية بعمليات نوعية في اللاذقية غزة .. ممرات إسرائيلية مزعومة والمجاعة تواصل فتكها بالأطفال إعادة النظر بخططنا السابقة للحفاظ على ما تبقى من غاباتنا ويتكوف: الأوضاع في سوريا في طريق التسوية بالفعل "التعويم المدار" يحد من التأثيرات السلبية للضغوط الاقتصادية إلى متى العجز عن تأمين السيولة وتزويد المصارف بالكاش..!؟ حرائق الساحل.. حكايات تروى للمرة الأولى استقرار الليرة.. أحد أبرز الفوائد في ضخ الاستثمارات الأجنبية