الثورة أون لاين – فؤاد مسعد:
لكل زمن آليات عرض تنسجم مع الواقع والمتغيرات، ففيما مضى كان ينتج التلفزيون مسلسلات بمعدل ثلاث عشرة حلقة للعمل الواحد إضافة إلى أعمال من حلقة واحدة (تمثيلية)، ودرجت بعد ذلك الثلاثين حلقة تماشياً مع شكل العرض في الشهر الفضيل لدرجة أن الرقم (30) أصبح أحد الشروط الأولى الأساسية التي يصعب المساس بها، والمفتاح الأهم لطرق باب عرض المسلسل على المحطات الفضائية في رمضان، ولكن بعد أن عانت مسلسلات كثيرة من الترهل ووقعت في فخ الشط والملل بادر عدد من المنتجين إلى طرح إنتاجات أكثر ضبطاً وتكثيفاً عبر تصوير حلقات منفردة أو ثلاثيات وخماسيات درامية، وقُدم بعضها بصيغة مسلسل أي أن يتم إنتاج عمل مؤلف من عشر ثلاثيات أو ست خماسيات أو ثلاث عشاريات.. ويكون هناك محور أو خط يربط فيما بينها، ويمكن في الوقت نفسه أن يتم عرضها منفردة بعيداً عن صيغة المسلسل، ولكن مع تطور الحياة لم تعد وسائل عرض الأعمال الدرامية حكراً على المحطات التلفزيونية، وإنما تعدت ذلك لتماشي العصر وامتدت نحو آفاق أخرى أكثر تنوعاً وباتت الخيارات مفتوحة ومتوفرة أمام الجمهور، ورافق هذا الحراك تطور على صعيد شكل الإنتاج وآليته، الأمر الذي بدا وكأن البساط بدأ يُسحب رويداً رويداً من تحت أقدام آلية الإنتاج التقليدية نحو الـتحول تدريجياً إلى إنتاجات تلائم بالدرجة الأولى شروط العرض على الأنترنت عبر المنصات والمواقع المختلفة، إضافة إلى عرضها على المحطات التلفزيون ، وهو ما تلقفه العديد من المنتجين وبدؤوا بإنتاج (ثلاثيات وخماسيات وسباعيات وعشاريات) والأمثلة اليوم باتت كثيرة ضمن الإنتاجات الدرامية السورية أو المشتركة، والسؤال، هل هي مجرد موضة في طريقة وأسلوبية الإنتاج الدرامي ومصيرها إلى زوال وستتراجع مع الوقت، أم تراها تؤسس لمرحلة جديدة قادمة قد تقلب الطاولة على كل آليات الإنتاج الدرامي القديمة ؟..
ـ تغيير عادات إنتاجية:
تنبهت العديد من الشركات لهذا التحول وبدأت تلحق الركب ومنها ما سعى إلى التنويع في الإنتاج بين الثلاثين حلقة والحلقات القليلة، لا بل بدأت العديد من الشركات بتكليف كتاب لإنجاز عشاريات وخماسيات وفق خطوط معينة، وضمن هذا الإطار يؤكد الكاتب نعيم الحمصي أن هناك موضوعات مناسبة لأن تُطرح عبر الأنترنت وأخرى مناسبة للتلفزيون، مشيراً إلى أنه من شروط كتابة الثلاثيات والخماسيات والسباعيات للأنترنت أن تكون مُكثفة ومتحررة من الرقابة باستثناء الرقابة الداخلية، وأن تقدم موضوعاً ليس محلياً كأن نتناول في العمل حادثة معينة قد تجري في أي بلد بالعالم، مشيراً إلى أن مثل هذه الأعمال غالباً ما تكون غير مرتبطة بزمان أو مكان بحيث يمكن أن تُصوّر في أي بلد.
أما المخرج محمد زهير رجب فيرى أن هذه الأعمال قد تؤسس لمرحلة جديدة تكون سمتها الاختلاف بالشكل فتتطور الأمور لتسقط الثلاثين حلقة وتتغير الرؤيا نحو الوجبة السريعة، وبالتالي يمكن أن يحدث بعد فترة أن تكون مدة الحلقة ربع ساعة على سبيل المثال.
ويتحدث المخرج ظهير غريبة انطلاقاً من تجربته مؤكداً أن هناك آليات جديدة للإنتاج والعرض اليوم، يقول: (تأخذ المنصات أعمالاً يكون عدد حلقاتها بين خمس وثلاث عشرة حلقة، وكلنا يذكر أنه فيما مضى كان التلفزيون يعرض أعمالاً تقع في ثلاث عشرة حلقة، وما حدث بعد ذلك أن عدد الحلقات بات ثلاثين ومن ثم ستين وأتت موضة الأعمال المدبلجة والأجزاء.. ولكن اليوم يتم تقديم المختصر المفيد عبر سبع أو عشر حلقات بأسلوبية وتكنولوجبا مختلفة ونظام صورة وتلوين جميل وأحب الجمهور الأمر، وتمتاز هذه الأعمال بتكثيف القصة في حين أن مسلسل الثلاثين حلقة يكون متعدد المحاور ويقدم فيه الكاتب مجموعة خطوط ليصل إلى عدد الحلقات المطلوب، في حين تكون الخماسية أو العشارية مكثفة وأنت غير مضطر فيها لوضع مشاهد مجانية أو إقحام خط ليس له من داعٍ، وأعتقد أن هذا الأسلوب هو الأصح حيث يتضمن العمل محوراً واحداً ونتابع قصة البطل والأحداث وليس من داعٍ لفتح محاور ليس للقصة الأساسية علاقة بها)، ويشير في نهاية كلامه إلى أن ما يتم إنتاجه ضمن هذا الإطار بداية لتغيير عادات إنتاجية، وسيكون له حضور أوسع على الساحة في القادم من الأيام خاصة أن مُشاهدة الجمهور للأعمال من خلال المنصات واليوتيوب في تزايد، وما حدث هو كسر للثلاثين حلقة المرتبطة بالعرض في شهر رمضان.
ـ إرهاصات ومؤشرات:
يرى العديد من المبدعين في الحقل الفني أن تكاثر إنتاج أعمال قليلة الحلقات كالخماسيات والسباعيات يعتبر بحد ذاته مؤشرات وإرهاصات لمرحلة قادمة في آلية الإنتاج، والمُشاهدة ستكون هي السائدة، وضمن هذا الإطار يقول الفنان وضاح حلوم: (هي موضة اليوم وسمة القادم، ففي هذا الزمن والسباق المتسارع في كل شيء لم يعد هناك وقت لتنتظر الثلاثين حلقة.. وبالتالي لا بد من التكثيف، وأرى أن الأعمال كلها ستكون في المستقبل سباعيات وعشاريات للمنصات على الانترنيت)، في حين يشير الفنان رامز عطالله إلى أن الثلاثيات والسباعيات تُسمى أعمال منصات، فتصوّر للأقنية وللمحطات وتعرض على اليوتيوب الذي يحقق أرباحاً، وبالتالي فالأمر موضوع تجاري بحت في سمته الغالبة، ولكن قد يكون هناك فكرة جميلة ولا تحتمل أكثر من ثلاثية.
وتؤكد الفنانة ريم عبد العزيز أنها ليست ضد إنجاز هذه الأعمال، وترى أنها قد تؤسس لمرحلة انتقالية في آلية الإنتاج فنحن في القرن 21 وعلينا التعامل مع تطورات الحياة، تقول: هي تقدم فرصاً للفنانين ليكونوا فيها، ففي مسلسل الثلاثين حلقة أنت مرتبط بعدد محدد من الفنانين والفنيين، ولكن عندما يكون هناك عشاريات وسباعيات ستتاح الفرص لعدد أكبر من الفنانين، وأنا دائماً أقف مع زملائي الفنانين وأحكي بلسان حال كل منهم، وأتوقع أننا نسير في اتجاه مرحلة يكون لدينا فيها أعمال مؤلفة من حلقات كثيرة (تسعين حلقة مثلاً) إضافة للعشاريات والخماسيات