كان يراد للانسحاب الأميركي من أفغانستان – رغم أنه تم باتفاق رعته مشيخة قطر – أن يشعل حرباً أهلية في البلاد لتمتد نيران هذه الحرب لاحقاً إلى باقي الدول التي تصنفها واشنطن خصوماً لها كروسيا والصين وإيران، غير أن أسرع نتائج هذا الانسحاب الفوضوي غير المحسوب النتائج كان انقلاب السحر على الساحر، ففي أول تفجير انتحاري استهدف مطار كابول سقط العشرات من الجنود الأميركيين بين قتيل وجريح، في إشارة خطرة إلى ما ستؤول إليه الأوضاع بعد عشرين عاماً من التدخل الأميركي بذريعة مكافحة الإرهاب.
إذاً الإرهاب الذي زعمت واشنطن أنها كافحته على مدى العشرين سنة الماضية وتباهى بايدن أن بلاده قد باتت محصنة ضده عاد إلى ذروته في لحظة الحقيقة وكأن شيئاً لم يكن، وكلّ المخططات الأميركية – المعلنة على الأقل في هذا الاتجاه – باءت بالفشل والإخفاق، والرئيس الأميركي الذي بدا مشتتا ومتفاجئاً ومذهولاً كان أول الشهود على إخفاقات الحرب الأميركية المزعومة على الإرهاب، في عودة إلى نقطة الصفر.
فالمولود الإرهابي الخطير “داعش” الذي أشرفت على ولادته “الداية” واشنطن أريد له أن يدمر سورية والعراق ولبنان وأن يقسم المنطقة إلى دويلات وكانتونات طائفية ومذهبية وعرقية تلبي طموحات الكيان المسخ “إسرائيل”، ولكن سرعان ما وجد هذا المولود المشوه تربة خصبة له في أفغانستان – والأرجح تحت رعاية واشنطن أكبر رعاة الإرهاب في العالم- لتكون النتيجة أن الإرهاب كفكر وتنظيم وممارسة مربوط بالحضور والمصالح الأميركية أنى اتجهت مطامع ومخططات هذا الحضور وكيفما تقلبت المصالح، وثمة من يسأل “ببراءة” أين ذهبت جحافل التنظيم المشتتة والفارة بعد هزيمتها واندحارها أمام الجيش العربي السوري والحشد الشعبي العراقي، لتجيب الأحداث الأخيرة عن جزء من هذا السؤال فيما تتكفل الأيام القادمة عن الإجابة عن باقي أجزائه.
وفي العموم ليست المرة الأولى التي ينقلب فيها السحر على الساحر، فقد سبق أن انقلب تنظيم القاعدة الذي أنشأته واشنطن عليها فكانت أحداث 11 أيلول، غير أنها لا تتعلم كثيراً من أخطائها، فمن يربي الأفعى السامة في جحره عليه أن يكون مستعداً للدغاتها، وهناك مثل مشهور يقول “طباخ السم لا بدّ أن يتذوقه”!.
البقعة الساخنة – عبد الحليم سعود