إذا كان البقاء للأقوى وحسسب الاصطفاء الذي تمارسه دورة الحياة، واستناداً إلى نظريات التطور ولاسيما نظرية دارون فإن الأجيال القادمة ربما بعد نصف قرن من الزمن أقل أو أكثر قد تكون غير ما نحن عليه، ولاسيما بعد العبث بالجينات وتفكيك شيفرتها علمياً، ودخول عامل آخر على الحالة ألا وهو ( غوغل ) أو بتسمية أخرى الأنترنت مع تطبيقاته ومشتقاته التي تتكاثر كل ساعة، مسخراً كل العلوم للوصول إلى حيث يريد.
ألم يقل أحد منظريه: البيانات هي ثروة المستقبل، لا النفط، والبيانات ليست أرقاماً وكفى هي كل شيء، هي نحن، خارجياً وداخلياً، هي نحن كما نحن بالواقع، وبعد ذلك كما يتم هندسة سلوكنا ويعدل وفق نظرية عالم النفس الأميركي (سكينر) إذاً نحن أمام آباء جدد لنا، لن نبقى أبناء الأب البيولوجي العادي، بل سوف يكون لنا آباء جدد، وليس مربين جدد، إنما آباء، هذه الخطوات السريعة التي تمضي بها عوالم غوغل وما يجره، في كتابهما المهم (ملف غوغل)جداً يقول تورستن فريكه، وزميله أولريش نوفاك:(الأنترنت ألغى حدود الدول، جعل العالم لاتحده آفاق، ليس لما فيه خير البشرية فحسب، بل الوبال عليها أيضاً. وهكذا أضحى في مستطاع غوغل أن تصول وتجول في العديد من الميادين الاقتصادية والمجالات التجارية، محتكرة لنفسها قوة اقتصادية بكاملها وملزمة إياها وإيانا بالانصياع لقواعد تخدم مصالحها الخاصة، أولاً وأخيراً. غوغل في كل مكان تترك بصماتها على حياتنا، تتسلل إلى خصوصياتنا، غوغل تحدد قواعد المسيرة الاقتصادية وتؤثر في العلوم والمنجزات العلمية، غوغل تحدد الأجندة السياسية، غوغل قوة عظيمة، قوة عظمى.
إن تاريخ البشرية لم يشهد مطلقاً مؤسسة تماري بمفردها الفاعلية والتأثير اللذين تمارسهما غوغل _ عملياً بلا رقابة ).
وآخر ما صدرعن مهندسة عاملة في غوغل سابقاً، ما يشبه الصرخة المدوية، حذار لغاتنا في خطر، غوغل تتلاعب بها، تترجمها خطاً، غوغل ستصيب أبناءكم بالخرس، وستقطع تواصل الأجيال تقول المهندسة السابقة في حوار مع قناة (RT)، حول برمجيات (غوغل) الخاصة باللغة والترجمة الآلية، (إن ما يقع أحياناً في ترجمة الإنترنت لبعض المحتويات ليس بالضرورة خطأ في خوارزمية وفي هندسة البرمجيات، بل يمكن أن يكون مقصوداً.
وأعربت عن قلقها من (تأثير النماذج اللغوية الواسعة على المجتمعات المهمشة).
وفي تعليقها على كيف يمكن ترجمة أدي عليهم التحية الصباحية إلى لفظة (هاجمهم)؟ ولماذا تصرفت الخوارزمية بهذا الشكل بناء على مجموعة البيانات؟ وهل ذلك بسبب نطاق الإنترنت الذي كان ضمنه المستخدم ولأنه فلسطيني؟، قالت الموظفة السابقة إنه:(يمكن أن نأخذ بعين الاعتبار لغات غير موجودة في تويتر الذي يستخدم في هذه الحالة مترجم غوغل للتعامل معها.) لقد أجريت مقابلة على قناة بي بي سي بلغة تيغرينيا، وهي لغتي الأم وغير الموجودة في مترجم غوغل، وليست من اللغات التي يقترح المحرك ترجمة لها، ولكن الأبجدية هي نفسها التي في لغة أمهاريك، وحين قام الناس بمشاركة مقابلتي، بدا الأمر سخيفاً، إذ كانت الترجمة: (دعونا نتحدث عن الأشخاص البخلاء! البخلاء والبخلاء والبخلاء، وكل شيء عن البخلاء)، بينما لم أذكر في مقابلتي شيئاً عن البخل.
لقد نبه الغرب لهذا الوباء القادم، وصدرت آلاف الدراسات التي تؤكد على ضرورة العمل على حماية الأطفال من شباك غوغل، أو العمل بخط ثان مواز يشد الجميع إلى القراءة والكتابة، والتقليل من صدأ الشبكات الزرقاء، فماذا أعددنا هنا نحن في العالم الثالث ؟ أسئلة لابد من طرحها، ولن ننتظر إجابات، بل نعلن أننا نعيد قرع الجرس آلاف المرات: القادمون يحملون مورثات غوغل التي يريدها هو، جينات خارج إطار الحياة الفعلية الحقيقية.
معاً على الطريق – ديب علي حسن