الثورة أون لاين – فؤاد مسعد:
كثيرة هي الأعمال الهامة التي قدمها وحفرت لها مكاناً متقدماً في وجدان الناس ، حتى أن العديد منها شكل فيصلاً ونقطة علام في تاريخ الإنتاج الدرامي التلفزيوني السوري ، هو مبدع أصيل من الطراز الرفيع حمل في صدره قلب طفل مُحب وامتلك عيناً تلتقط الأكثر تأثيراً وإبداعاً ، عايش الدراما كمبدع ومُعلّم وفنان وإنسان ، إنه المخرج المخضرم وشيخ الكار النبيل هشام شربتجي الذي تعرض منذ أكثر من شهر إلى وعكة صحية أظهرت الكم الكبير من المحبة التي يكنها جمهوره له.
هو مخرج مخضرم إشكالي في اختياراته جريء في طروحاته اخترق المألوف خاصة عندما غاص إلى العمق فيما قدّم باحثاً عن الجوهر وواضعاً إصبعه على الجرح دون الحاجة إلى روتوشات تجميلية ، هو صاحب عدد من أميز مسلسلات (السيت كوم) العربية ومجموعة من أهم الأعمال الكوميدية والمسلسلات الاجتماعية التي حملت هموم الناس بمن فيهم أولئك المنتمون إلى الطبقة الوسطى ، له رؤاه التي سعى إلى بلورتها عبر أعماله ساعياً من خلال كاميرته إلى النأي عن الفبركة والفذلكة البصرية منتصراً إلى الإنسان العادي البسيط طارحاً قضاياه وراصداً نبض الشارع بإطار ينحو نحو البساطة من منطلق السهل الممتنع ، لذلك حرص أن يتناول قصص الحياة المضحكة المبكية بآن واحد ليلامس من خلالها العوالم الأقرب إلى المتلقي. وله مواقفه التي بثها عبر تصريحاته وحواراته الإعلامية ، ومنها حوارات عديدة أجريتُها معه على مر السنين ، فعلى الصعيد الوطني وعن الحرب التي شنت على سورية سبق وقال (سنبقى شوكة في عين كل من يكره سورية وحضارتنا وثقافتنا وتاريخنا ، وسنبقى نعيش يداً بيد لحمة واحدة) ، أما على الصعيد الفني فأكد أكثر من مرة على أن أهمية المسلسل تُقاس بالصدق وبالنوعية الجيدة وليس بغزارة الإنتاج ، ويفسر إصراره على فكرة البساطة بالقول (كثيرون جربوا هذه البساطة فظهرت النتائج معهم سطحية . وأرى أن الفنون المركبة والمعقدة التي كانت بزمن الكلاسيكيات أصبحت متعبة للعين فالصورة البسيطة دخلت في حياتنا مع رقي الفنون . وقد قدمت تحت عنوان البساطة أشدّ النصوص المركبة والصعبة “أسرار المدينة”) .
البداية الفعلية للمخرج الكبير كانت مع برنامج (قصاقيص) المؤلف من لوحات ناقدة الذي سبق وتحدث عنه قائلاً (هو الأول من نوعه في التلفزيون السوري وحتى في التلفزيونات المجاورة ، إنه مبتكر ولم يكن له صلة بأي شكل فني آخر في تلفزيونات أخرى وهو فكرتي وكنت معده ومخرجه بالاتفاق مع محمد جومر وأحمد قنوع وأحمد قبلاوي) ، ثم بدأ عام 1984 بإخراج سلسلة (مرايا) مقدماً أربعة أجزاء منها وعاد إليها بعد انقطاع دام سبعة عشر عاماً لينجز (مرايا 2006) ، وعن تجربته فيها قال في حوار أجريته معه عام 2006 (مرايا المدرسة الأولى لي في التعامل مع التلفزيون علماً أنني عملت في التلفزيون قبلها لكن العمل في مرايا ومع ياسر العظمة تحديداً علمني معنى النجاح في الأجزاء الأولى) . وقدم إضافة إلى مسلسل (بناء 22) عام 1990 سلسلة النجوم ابتداءً من (عيلة خمس نجوم) عام 1994 ومن الأعمال التي حملت طابعاً كوميدياً نذكر (يوميات مدير عام ، أحلام أبو الهنا ، جميل وهناء ، بطل من هذا الزمان) ، ومع دخول الألفية الثانية أخرج المسلسل الاجتماعي (أسرار المدينة) الذي اعتبره من الأعمال الأحب إلى قلبه وتلمس خلاله أعماق الواقع ومن الأعمال الاجتماعية الهامة التي قدمها (رياح الخماسين) عام 2008 و (المفتاح) عام 2012 ، وكان قد خاض تجربة (بقعة ضوء) في جزئه الخامس عام 2005 ، وآخر عملين قام بإخراجهما كانا عام 2017 وهما (أزمة عائلية) و (مذكرات عشيقة سابقة) .
مما لا شك فيه أن نهج المخرج هشام شربتجي يعتبر مدرسة في الإخراج بكل ما فيها من ابداع وأخلاق وقدرة على قراءة الواقع واستشراف المستقبل وعين تستطيع التقاط التفاصيل ، هي مدرسة يحتاج من ينهل منها إلى ذكاء وثقافة عالية وسعة اطلاع ومعرفة وصدق.