ما من شك أن مأساة الطفل المغربي ريّان، الذي فشلت عملية إنقاذه من البئر الذي سقط فيه على مدى خمسة أيام، قد أخذت حقها من التعاطف والتعاضد الإنساني والدولي – وهي بكلّ تأكيد تستحق ذلك – بحيث وحّدت معظم من تابع تفاصيل الحادث الحزين حول التمني والرجاء والدعاء بخروج الطفل حياً، ولكن المشيئة الإلهية وظروف الحادث والتباطؤ في عملية الحفر وإجراءات الإنقاذ كان لها رأي آخر.
غير أن اللافت إلى جانب هذه الموجة العارمة من التعاطف الإنساني المنقطع النظير- وهو ما يدعو للاستغراب والصدمة حقاً – هو حجم النفاق والكذب والرياء الذي مارسته بعض القنوات الفضائية المتابعة للحدث، إذ انصب كلّ اهتمامها على المتاجرة بالحدث وإظهار كلّ ما تستطيع من تعاطف كاذب مع الطفل الضحية من أجل التعمية وحرف الأنظار عن جرائم أصحابها ومموليها بحق الإنسانية والطفولة في أماكن أخرى، وقد بلغ الأمر ببعض هذه القنوات لتخصيص ساعات طويلة من البث المباشر من أجل إعلامنا بكلّ سنتيمتر تمّ حفره في الموقع، واستضافة متخصصين بدراسة الجيولوجيا وطبقات الأرض ومجالات مختلفة، وكأننا أمام زلزال ضرب مدينة وطمر مئات الآلاف من أهلها تحت الأنقاض.
في الواقع، لا يمكن أن يمرّ يوم تقريباً دون أن تحدث حوادث مشابهة لمأساة ريان في غير مكان من هذا العالم، ولكن تبقى الحروب بتداعياتها وتأثيراتها الكارثية المدمرة – وهي من صنع البشر لا القدر – الحدث الأكثر مأساوية من كلّ ما عداها، الأمر الذي يستوجب ما هو أكثر من التعاطف الإنساني وذرف دموع التماسيح، كالتوقف عن الحرب ومنع ويلاتها ومعالجة آثارها وتعويض المتضررين منها، ولا نذهب بعيداً حين نتحدث عن حرب اليمن المستمرة منذ سبع سنوات، حيث خلّفت هذه الحرب عشرات آلاف الضحايا الأبرياء في اليمن ،ولا سيما بين الأطفال، كما أدّت سياسة الحصار الظالمة إلى تحويل مئات آلاف الأطفال اليمنيين إلى هياكل عظمية تتسول الموت رحمة وشفقة بها، فيما أننا نجد أنصار الحرب والحصار منكبين على حفلاتهم الماجنة، لا تحرك مشاهد أطفال اليمن فيهم ذرة تعاطف إنساني..!
وخلال الحرب الإرهابية الظالمة على سورية ارتكب المحتلون الأميركيون والأتراك ومرتزقتهم الإرهابيون آلاف الجرائم بحق الأطفال السوريين ودمروا مدناً وقرى وأبادوا أهلها، فهل وقف هذا الإعلام المنافق وأصحابه في صف الضحايا أم في صف المجرمين والقتلة..؟!
البقعة الساخنة – عبد الحليم سعود