صحيح أن الحرب العدوانية على بلدنا تركت آثاراً وتداعيات سيئة علينا، وما زالت، وخاصة مع استمرار الحصار،ورفع وتيرة العقوبات الاقتصادية غير الشرعية، من خلال قانون قيصر سيئ الذكر وغيره، لكن الصحيح أيضاً وجود إدارات تفتقد إلى حد لا بأس به للإرادة القوية والإدارة الناجحة، والاستثمار الأمثل للإمكانات المتاحة،هذا إضافة لعدم استفادتهم من التجارب الإنسانية الناجحة في أي مكان على وجه الأرض لصالح بلدنا وفِي مقدمتها تجارب حلفائنا الذين تعرضوا قبلنا للحروب والعقوبات والحصار!
إن غياب ماتقدم عند الكثير ممن يتبوؤون المناصب والمواقع المختلفة لأسباب باتت حديث الناس بمختلف شرائحهم،أوصلنا إلى مانحن فيه من أزمات خانقة وجعل معاناتنا تزداد حدة سواء مايتعلق منها بالأمور العادية واليومية المتمثلة بسوء الخدمات العامة من نظافة ونقل واتصالات وصحة وتأخير وازدحام ومعاناة في كل الجهات العامة التي لها علاقة بتأمين وثائق أو خدمات للمواطنين، أم مايتعلق منها بمتطلبات المعيشة والحياة والإنتاج والتعبير عن الرأي والمتمثلة بالمواد والأسعار والرقابة والمحروقات والكهرباء وأجور العاملين ووسائل الإعلام و…الخ
وهنا أقول إن الاستفادة من التجارب الإنسانية الناجحة على امتداد الساحة العالمية واجب وطني على كل منا مواطناً كان أم مسؤولاً، لكن إذا كان المطلوب من أي حكومة وشعب أن يعرفوا أعداءهم جيداً ويستفيدوا من تجاربهم، فالأولى أن يستفيدوا من تجارب أصدقائهم وحلفائهم الناجحة لا أن يتجاهلوها ويضعونها على الرف كما حصل ويحصل عندنا للأسف!
في ضوء ماتقدم من المفيد والضروري أن أذكّر بأعمال وتجارب لمسناها لمس اليد وشاهدناها بأم العين في دولة إيران الحليفة والصديقة خلال زيارتنا لها ضمن وفد صحفي في مثل هذه الأيام من عام 2018 كما لمسها سوريون عديدون قبلنا زاروا هذه الدولة المهمة -التي تعرضت لحرب دامت عشر سنوات وتعرضت وتتعرض حتى الآن لعقوبات جائرة -في فترات سابقة وحدثونا عنها..
ففي العاصمة طهران المترامية الأطراف وفي كافة المدن الأخرى النظافة تامة ليس في الشوارع والأحياء الرئيسية وحسب إنما في كافة الشوارع والمواقع والأحياء والحدائق(بما في ذلك دورات المياه وحاويات القمامة) حيث لم نشاهد على امتدادها أي ورقة صغيرة أو كبيرة أو عقب سيجارة أو بحصة أو حبة تراب أو ورقة شجر وهذه النظافة ليست نتيجة عمل البلديات فقط إنما بالدرجة الأولى ناجمة عن ثقافة مجتمع ..وفي طهران وكافة المدن لاحفريات ولا حفر ولا أي إشغالات للأرصفة من المحلات التجارية أو غيرها، ولا مطبات محدّبة أو مسطّحة في أي مكان، ولا مخالفات بناء أو سكن عشوائي.
وفي طهران وكافة مدن إيران يستخدمون باصات النقل الداخلي بشكل كبير ويخصصون لها مسارات محددة في الشوارع ومواقفها ومقاعد الركاب داخلها في قمة الأناقة وتقي من الحر والقر، كما يستخدمون الدراجات الآلية النظامية بكثافة بعيداً عن المخالفات والتشفيط وأي إساءات …الخ
وفي إيران بشكل عام يعتمدون على الإعلام ويشجعون على إحداث الصحف والإذاعات والأقنية التلفزيونية والمواقع الإلكترونية الخاصة ونتيجة ذلك وصل عدد الوسائل الإعلامية المختلفة في العاصمة والمحافظات إلى تسعة آلاف وسيلة تسعين بالمئة من الإيرانيين يتابعون الخبر والقضايا المحلية من خلالها حصراً
وفِي إيران حولوا نقمة الحصار والعقوبات إلى نعمة من خلال الاعتماد على الذات واستثمار ما لديهم من إمكانيات بشرية وغيربشرية أفضل استثمار- تماماً كما حصل ببلدنا في ثمانينات القرن الماضي-ووصلوا نتيجة ذلك إلى دولة قوية اقتصادياً وخدمياً وعسكرياً ونووياً يحسب لها ألف حساب من قبل أعدائها..الخ
ترى ماذا ينقصنا للاستفادة من تجارب حلفائنا الناجحة سوى الإرادة القوية والإدارة الناجحة بالدرجة الأولى؟
على الملأ – هيثم يحيى محمد