الثورة – رنا بدري سلوم:
حقاً رسمتها، ولم تكن ملامحها من حبر ولون، بقدر ما هو تشكيل لفكر حرّ لا يساوم، فمخاطبة الأشياء ومواجهتها بشفافية هي سمّة نصوص ” حين ترسمني القصيدة ” للفنانة التشكيلية رنا محمود، التي أهدت خلجاتها لله ولأرواحنا المعذّبة، فطغت ثيّمة الحزن على نصوص تثبت من خلالها أنها شاعرة، امرأة حرّة من كل قيد، فالرسم والشعر عندها فاتحة فجرها ” كنهرين يجريان حيث المصب، قلبي الذي تلونه الدماء وتكتبه القصائد، فأنا لوحة ما مرّ الزمان عليها وقصيدة لا تتسع لها الخرائط”.
نقرأ في نصوص المجموعة الشعريّة طبيعة جامحة ومشاعر جيّاشة، وتعبير عن عزة النفس وخواطر الأنا التي تبحث عن ذاتها في شجون باكية وشاكية، فحين نقول “رنا” أنظر إلى جوهر الأشياء، أو اسع إلى فضاءاته. ومن هنا كتبت الشاعرة عنها ” ترتديني ألوان الطيف
فتضيء الأكوان بقوس قزح
تبحث عن قِبل الأمل
لتشعل فوق أوراقي النار
تتناثر أشعاري
كنجوم السماء
فأبدو مدهوشة الخيال
أبحث عن نفسي
وعن ألف رنا”
بين الشاعرة والفنانة التشكيلية تحلّق الكلمات في سماوات اللون، فتكثر مفردات اللون، الظل، الرسوم، اللوحة، رسمته ريشة التكوين والخ، وإن دلّ على شيء، يدل أن الفنانة التي تسكنها لم تخرج من بوتقتها، راحت ترسم في محرابِ الحرف أناها ” أرنو كفراشة إلى الضوء، احضني بفجرك الدافئ، فكن نورسي الأبيض، بأجنحة الغمام، وحلّق بي بقُبلة لا تنتهي”.
إن الشاعر الحقيقيّ وقضاياه الإنسانيّة لا ينفصلان، عاطفته متجذّرة في الأرض مُعينها الحريّة التي يرنو إليها ويستقي من خلالها قدسيّة مفرداته، ولاسيما وأننا اليوم في ذكرى” يوم القدس العالمي”، تخاطب الشاعرة وطنها في نص تصف فيه العلاقة الوطيدة بين فلسطين وسورية بعنوان ” عناق الأختين المعذبتين”:
وطني يا أيها المزروع وسط قصيدتي
نجماً تعانقه
على رمش الوله
كل الحضارات
سيعرف الجميع أن خطوتي القادمة إليك
قاب رصاصتين، باسمك أبدأ وبعد شاهدتين أو أكثر
ستراني أقرأ سورة فلسطين
رغم الجمر ورغم الطين
ندقُّ باب النصر
من الجولانِ إلى حطين”.
والبعد الفلسفيّ الذي نوّهت له الشاعرة رنا محمود، هو حالة لاتخرج منها في معرفة الوجود وترقّب الذات، فكما قال جلال الدين الرومي” لا يزال المرء أميّا حتى يقرأ ذاته.. ولن يقرأ المرء ذاته حتى يُقال لقلبه اقرأ” وهو ما قرأته الشاعرة ولا تزال تقرأ:
” ما يشغلني في سفر التكوين
معجزات الخلق
أنظر إلى السموات والأرض
فأرى متسعاً لقلبي
أنظر إلى النور والظلمة
فأرى قناديل عقلي المعلّقة
على أبواب أرسطو
وديفيد هيوم
وهيدجر
تسير أمامي وأنا أقرأ الوجود والزمن”.
تضمّنت المجموعة النثرية سبعاُ وأربعين لوحة نثرية وجدانية توثّق فيها الكلمة مع اللون، فنادت الوطن، الحب، الخوف، الأمل، الموت، الهجرة، الألم، الضياع، مع عشرين رسمة فنية مرافقة للنصوص أغنت الديوان وهو ما منحته ميزة مختلفة، وعن الديوان صرّحت الشاعرة رنا محمود للثورة ” لن أقيم حفل توقيعٍ، أريد لكلماتي أن تصل للقارئ دون صخب الاحتفاليات والمجاملات، أتقبّل النقد أي كان، متمنية أن يحجز ديواني “حين ترسمني القصيدة ” الصادر حديثاً عن “دار الينابيع” مكاناً له في المكتبة العربية الذي يعد ديواني الرابع.