إلى الكتاب «الشعبيّ»!

الملحق الثقافي: غسان كامل ونوس :

ربّما كانت التسمية «الشعبيّ» غير مناسبة تماماً لتوصيف ما يراد هنا؛ حيث يتمثّل القصد بتأمين نسخ وافرة من الكتاب المقروء، بشكل مقبول، وكلفة مناسبة؛ ويمكنها أن تصل بيسر وسرعة إلى مختلف الشرائح المهتمّة، من الشعب المهمّ للمعنيّين بالثقافة والتنوير والوعي والإنجاز، بكلّ تكويناته ومستوياته وشرائحه؛ ولاسيّما تلك التي لا تملك الكثير لتدفعه! ولن نقف عند التسمية الأكثر مناسبة، التي يمكن أن تكون «الكتاب الأليف»، أو «الكتاب الصديق» أو «الكتاب الجليس» أو «الكتاب التشجيعيّ»؛ مثلاً؛ لأنّ الغاية أبعد، وأعمق، وأسمى، وأكثر إلحاحاً، ويحتاج إلى عمل ومبادرات أكثر ممّا يلزم من تنظير.
إنّ طرح هذه القضيّة، يجعلنا نتجاوز موضوع النشر الإلكترونيّ، الذي بدأ يعوّم، على حساب ما كان يطبع من كتب ودوريّات، أو، على الأقلّ، نتّفق بنسبة كبيرة، أو نقتنع بأهمّيّة ما تزال حاضرة ومقدّرة للطباعة المادّيّة؛ ولا سيّما الكتاب المطبوع ورقيّاً، الذي يتميّز بكيان مستقلّ كامل الأهليّة للتواصل القريب، والرفقة الأليفة، والمشاعر الحميميّة؛ ناهيك بالفائدة والمتعة والحالة الأثيرة، التي تنتج عن القراءة، إذا ما كان المحتوى يستحقّ؛ فحوى وأداء.
ولا يخفى، على أيّ متابع ومهتم، أنّ كلفة الطباعة هذه مرتفعة، ومستمرّة في الارتفاع؛ بصرف النظر عن الأسباب والدوافع المسوّغة وغير المسوّغة، وبما لا يتناسب مع الدخول المتّصلة بالقرّاء، الذين ينتمون، في الغالب، إلى الشريحة المهتمّة بالتفكير المضني في كيفيّة الوصول إلى ما يؤمّن متطلّبات العيش في حدوده الدنيا، والسعي الجادّ إلى سبله الضيّقة، التي تضيق باطّراد هي الأخرى. ولهذا فإنّ المبالغة في عمليّات التنسيق والتلوين والتزيين والإخراج، ونوعيّة الورق والحبر، وتقنيّات الطباعة المستحدثة، والمتطوّرة؛ إضافة إلى مستلزمات الإعلان والعرض والتسويق.. لا تبدو في أولويّات اهتمام القرّاء الجادّين؛ من دون أن يعني هذا إهمالها تماماً، وابتعادها عن الحدود الدنيا المقبولة للمحافظة على القوام في التعامل مع الكتاب، وأن تكون مواصفاته الأساسيّة غير منفّرة، ولا تُعثِر التناول والتداول. ومثل هذه الإجراءات المعدّلة في عمليّات صناعة الكتاب وترويجه، ستخفّف من الكلفة المتحقّقة على الطباعة؛ إضافة إلى التعقّل في النظر إلى الربح والتجارة؛ وربّما الزهد فيها، وإعفائها من الضرائب والمترتّبات الماليّة الأخرى.
ولا شكّ في أنّ هذا مشروع يبادر إليه، من كان هاجسه ثقافيّاً لا تجاريّاً، ومن يؤمن بأهمّيّة الثقافة، ويفكّر فيها بأمل وتوق، ويعمل من أجلها بحماسة وقناعة ورضا. ولعلّ الأكثر قابليّة لتمثّل هذه المعطيات، والأكثر استهدافاً من هذه الطروحات، والأكثر قدرة على القيام بمتطلّباتها، هي المؤسّسات المعنيّة بالثقافة؛ ولا سيّما العامّة منها، من دون التقليل من أهمّيّة إسهام مختلف المؤسّسات والكيانات العامّة والخاصّة، وفي مختلف المجالات. وإذا كان مثل هذا المشروع مهمّاً في أيّ ظرف وزمان، فإنّه يبدو اليوم؛ مع الشروع في إعادة البناء والإعمار النفسيّة والمادّية، أكثر أهمّيّة، وجدواه مطلوبة ومنتظرة ومحقّقة، من دون أدنى شكّ، وإن بعد حين؛ لأنّ الوعي ضرورة دائمة؛ لمعرفة ما يجري وخلفيّاته، والإمعان في ما كان، ومعالجة سلبيّاته، والتنبّه إلى ما هو قادم. وقد استهدفت موقدات الكارثة، التي ألمّت بنا، وما زالت تستهدف، البنى الثقافيّة، التي صدّعت، وهشّمت، ودمّر كثير منها، واستُبيحت إلى حدّ كبير، ونطاق واسع، مع هذا وإثره، مقوّمات التوازن الكيانيّ فرديّاً وجمعيّاً، والتماسك الداخليّ نفسيّاً وفكريّاً، وطبيعيّ أنّ المأمول ممّا ذكرناه من تخفيف كلفة الطباعة، ووزر الحصول على المطبوع، لا يتوقّف عنده؛ بل إنّ من المهمّ تأمين وسائل وسبل جدّيّة وفاعلة، لإيصال الكتاب إلى المتلقّين؛ لأنّ تكاليف النقل والانتقال مرتفعة، وتوالي ارتفاعها أيضاً. ومن المهمّ أيضاً ودائماً، أن تعدّ تشريعات ومشروعات ضامنة ومحفّزة؛ لاستثمار كلّ هذا واستمراره وتطويره؛ في ضوء رؤيا متكاملة، وجهد شموليّ، يشارك فيه المثقّفون، وغير المثقّفين، والمسؤولون الثقافيّون، وسواهم من شرائح المجتمع؛ فالثقافة تعني الجميع، وفي مصلحة المجموع، وتشذّب أيّا كان، وتصونه، في أيّ ميدان، وتحتاج إلى كلّ ما يمكن، وفي مختلف المواقع من أجل إنتاجها وتعميمها وترسيخها عادة وسلوكاً وإقداماً وتضحية.
لقد قرأنا ما تيسّر من كتب كانت، تندرج في هذه الحالة «الشعبيّة»؛ كـ «روايات الجيب» المترجمة، و«كتاب الهلال»، و«كتاب في جريدة»، والسير الشعبيّة المطوّلة، والأساطير العالميّة، وحكايات الشعوب…
وشكّلت لدينا ذخيرة ثقافيّة، وأرصدة معرفيّة، ظهرت انعكاساتها فيما لحق؛ إضافة إلى أنّ الساحة الثقافيّة السوريّة، شهدت تجارب مختلفة من هذا القبيل؛ بعضها توقّف، وآخر ما يزال مستمرّاً؛ ككتاب جريدة البعث، وكتاب الجيب المرافق للمجلّة الثقافيّة الشهريّة «الموقف الأدبيّ»، التي يصدرها اتّحاد الكتّاب العرب، والملحق المتضمَّن في مجلّة المعرفة، التي تصدرها وزارة الثقافة، وهناك تخفيضات مهمّة على أسعار الكتب؛ لتصبح رمزيّة، في معارض محلّيّة متنوّعة مرحليّة ودائمة، ومنها كتب اتّحاد الكتّاب العرب ووزارة الثقافة؛ سواء أكان هذا في منافذ البيع المعتمدة الثابتة، أو تلك المتنقّلة. ولكن الأمر يجب أن يتجاوز ما هو قائم، إلى ما هو أعمّ وأشمل وأعمق، وأن يترافق بما هو جدير ومستحقّ من إجراءات تكامليّة؛ مع وضع خطط مراجَعة ومتطوّرة، ومراحل زمنيّة، وجداول اسميّة للكتب المقترح تعميمها من قبل مختصّين وخبراء، للكتب المهمّة، التي تنبغي طباعتها ضمن هذا المشروع؛ سواء أكانت قديمة أم حديثة، أم مستجدّة، عربيّة أو مترجمة، وبأعداد كافية، وبأسعار تشجيعيّة، مع وضع آليّات توزيع مناسبة، تضمن الوصول بالكتاب إلى آخر متلقّ في أبعد قرية. ولا بدّ من أن يتمّ هذا بالتفاعل مع الإعلام العام والخاصّ، والتربية، والمعاهد العامّة والخاصّة، والجامعات الحكوميّة والخاصّة، والمنظّمات والنقابات والأحزاب، والوحدات الإداريّة؛ ولا سيّما في الريف، والجمعيّات الأهليّة، ولا بأس أيضاً من التعاون مع البريد الداخليّ والخارجيّ، ومؤسّسة الاتّصالات، ومديريّات النقل ووسائله المتعدّدة، ومن المهمّ أن تُدعم هذه المشروعات، وأن يكون لها رصيد في الموازنة العامّة للدولة، وأن تؤمّن قروض لهذه الغاية؛ من خلال المصارف والبنوك والمؤسّسات الراعية والداعمة والقائمة والفاعلة والقادرة، مع مختلف المبادرات، التي تستهدف شرائح المستفيدين من الكتاب التشجيعيّ، لمختلف الأعمار والمراحل العمليّة، وفي مختلف المناطق والجهات، وأن تستتبع هذه المبادرات، بإجراءات تقيّم، وتعدّل، وتطوّر، وتعمّم… مع الاستفادة من تجارب مماثلة أو متقاربة في هذا المجال، وفي بلدان العالم المتقدّمة. إنّه مشروع مهمّ في الحلّ الثقافيّ، الذي أراه ضامناً للمستقبل المنشود، ومتضمّناً في الحلول الأخرى كافّة، ويجب أن يبدأ العمل في هذا المشروع في أقرب وقت، وألّا ينتهي، وأن يروّج له، ويدعم من جميع الجهات القادرة، ويُعمل على إنجاحه فرديّاً وجماعيّاً؛ بجدّ وقناعة وجدوى.

التاريخ: الثلاثاء19-4-2022

رقم العدد :1092

آخر الأخبار
بداية عهد أكاديمي جديد.. الجامعات السورية تدخل التصنيفات العالمية محافظ إدلب يستقبل القائم بأعمال السفارة القطرية وزيارة إلى سراقب تراجع في تركيب منظومات الطاقة الشمسية.. تحسن نسبي بالكهرباء والوضع المعيشي الصعب وراء عدم الإقبال تداولٌ ينشط.. وسيولةٌ تختفي قوشجي لـ «الثورة»:حبس السيولة عقبة كبيرة تواجه مستثمري سوق دمشق رفع كفاءة مصادر المياه الجوفية والسطحية بدرعا حرائق متسارعة في غابات الساحل وريف إدلب.. 60 حريقاً في 48 ساعة التطبيل والمدح.. أين تنتهي الحقيقة ويبدأ التزييف؟ الاحتفاء بالأفعال وليس بالأسماء الفقر يطارد المرضى في سوريا العلاج حلم مكلف والأمل بالحكومة عبوة الأنسولين 100 ألف ليرة ومليون لير... تركيا تفتح المنافذ البرية للقادمين من سوريا بعد تعطل الرحلات الجوية مدير الدواجن لـ"الثورة": الاستثمار في المنشآت ضمن توجهات الاقتصاد الحر لمواجهة صعوبات الحياة.. فتيات : التسويق الإلكتروني فرصة عمل مجدية عودة شركات الاتصالات السورية الأميركية.. باراك وشيا يؤكدان بداية جديدة للاستثمار ورفع العقوبات "وول ستريت جورنال": ترامب وافق على ضرب إيران مشروع قانون أميركي جديد لإلغاء " قيصر" جورجيا تطالب أنقرة بالتوسط لدى دمشق للتراجع عن الاعتراف بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية توقيع بروتوكول تعاون بين وزارتي الصحة في سوريا وتركيا الصفدي يؤكد أهمية توفير ظروف إعادة بناء سوريا المستقرة انسحاب القوات الأميركية من سوريا..بين هواجس "قسد" وآمال دمشق مشروع منتجات طبيعية.. يؤمن فرص عمل وطموح بتوسيع التسويق السوريون واللبنانيون يلتزمون الحياد بعد أعوام من الحروب