تحكي خالتي ” عزيزة ” رحمها الله .. أنها في صباها اشترى لها أهلها شقفة فستان سمت قماشه ” شيت ” … و قالت إنها بحياتها لم تلبث أجمل منه .. و كلفها ستة فرنكات .. أي ثلاثين قرشاً سورياً !! و للذي نسي تفاصيل الليرة السورية فهذا يعني أن ليرة واحدة تشتري ثلاثة فساتين و يزيد منها عشرة قروش ، صالحة لشراء نصف كيلو من التمر اشتريته اليوم من جبلة الكيلو ب 12000 ليرة سورية .. لم أعد أتذكر أكانت خالتي تقصد بذلك ثمن الشقفة كلها أم ثمن الذراع ..
بقيت اتذكر القصة حتى اليوم لأنها حفرت في ذهني من شدة رخص هذا الفستان .. و كان حديث الغلاء على كل لسان ..
بيت جدي ، أعني عائلة خالتي و طبعاً عائلة أمي كانوا أسرة شديدة الفقر. تروي ستي ” أمون “رحمها الله أنها في حيز من زمانها ، خلصت نخالة حنطة أو شعير من التراب لتطعم فيه أمي و خالتي الصغيرتين على حضنها .. لذلك .. أن تشتري خالتي فستاناً من شيت فهو انتقال في سلم الحياة .. لكن ذلك لم يعنِ الانتصار عليها .. إنما تطور مستوى المعيشة رغم اقترانه بالفقر و العجز عن مواجهة متطلبات الحياة ..
اليوم و أنا أكتب هذه السطور .. لا ترضى مشاعر وقع الغلاء و صعوبة مواجهة ظروف الحياة أن تفارقني للحظة واحدة .. وعندما أتذكر بعضاً من ظروف حياتنا الماضية أشعر ، أنني عاجز عن أن أحضر لأسرتي ما كان يمكن أن يحضره أبي .. بل يقع العقل ضحية الاستغراب .. يعني مثلاً كان أبي و نحن صغار يستطيع أن يذبح خروفاً بمناسبة ما و أكثر من مرة في السنة .. خمسون ليرة كانت تشتري خروفاً ممتازاً .. اليوم هذا شيء غير ممكن و مرفوض و نظرة فيها هدر .. لكننا … بعموم شؤون الحياة ، نحن نعيش أفضل من حياتنا الماضية رغم شدة الغلاء و و توحشه .. !!!
إضافة لذلك و في المسار ذاته يواجه أولادي ” الابن و الابنة و الحفيد ” شؤون الحياة بمستوى أفضل و بما لا يقاس من مواجهتي أنا لها في طفولتي و يفاعتي و حتى شبابي ؟؟!!.
الخوف يملأ تفاصيل حياتنا .. وهو خوف مختلف عن الماضي كثيراً .. كنا نخاف من الوحوش .. و الأفاعي .. و المتنفذين و اللصوص .. اليوم كل هذا موجود و يخيفنا حتى القهر و الغضب و الإنصات لنصائح الحكماء.
الفقر و من خلفه الجوع .. أكثر ما يخيف .. لكن .. بشكل ما لا أعرف مدى و حقيقة خطورته ولا أجيد شرحه ..
ما زلنا نحيا .. بل نحلم ..
As.abboud@gmail.com