تصعب السيطرة على بعض الأمور إن أرجئت إلى وقت لاحق، ولم تحسم في أضيق حدود انتشارها، خاصة الحروب العسكرية، بالذات لو كانت بين جارتين حدوديتين، كتلك التي بين روسيا وأوكرانيا. ما جعل الداهية كيسنجر يدعو لتوافق عالمي يودي للسرعة بتسوية سلمية.
أميركا تدعم أوكرانيا مالياً وعسكرياً بسلاح ثقيل وخفيف بغية إركاع روسيا لتظل المهيمنة عالمياً وتمرر مصالحها التي لا تنتهي، هي أشبه بمن يشرب المزيد من الماء المالح فلا يرتوي، توقظ عصبية التطرف القومي الأوكراني ناسية أنهم كانوا ضمن حزمة الاتحاد السوفييتي..
تنعش بعض المواقف في الذاكرة مثلاً شعبياً، كالمثل الصيني القائل إذا أردت أن تحقق النصر على عدوك فيجب عليك أن توفر له جسراً للانسحاب، ما يقابله في السياسة الحديثة ضع سلماً لعدو صعد شجرتك لينزل، كما السلم الروسي الذي أنزل أوباما عندما هدد بضرب سورية..
حين أعيت الحيلة إدارة أوباما بتقويض الدولة السورية، رغم الدعم والإمكانات التي وضعتها وحلفائها تحت تصرف الإرهابيين، رعاع العالم الذين دربتهم وضختهم من خلال مسارب جوار سورية لتحطيمها وشعبها، لكنْ لم تنجح مآربها، ما أخذ بأوباما لتهديد سورية بضربة أميركية.
الشيطان الأميركي ينفث في أذن أوكرانيا ويشحنها سياسياً، ويمدها عسكرياً ولوجستياً ومالياً.. ضد روسيا، ولأن إخضاع روسيا أمر خارج على القانون حسب كيسنجر، ويخلق اضطراباً في العلاقات الروسية الأوربية يصعب السيطرة عليها في وقت لاحق، لابد من مفاوضات..
الحروب تدمر الأوطان وتُنهك الشعوب وتبتلع مقدرات الاقتصاد، ترهق جيوش الدول المتقاتلة بالذات إن كان أحد الطرفين يتسم بالنازية أو الإرهاب.
كل الحروب لابد تنتهي عبر مسار تسوية للملمة ما بقي من رماد تطفئ به بقايا ألسنة نيران الحرب خشية انفلات السيطرة عليها.
الدستور الأوكراني المعمول به حالياً، بنود أهدافه تحمل الانضمام للناتو والاتحاد الأوربي واستعادة جزيرة القرم، ومنظمة دونباس حتى لو تطلب الأمر استخدام القوة، بأنفاس أميركية احتلالية صيغ الدستور الأوكراني، الذي تتضح فيه معالم محاولة أميركا كسر العظم الروسي..
استخدم الأميركي الذراع البشري الأوكراني ضد روسيا، مدعوماً بالإعلام والحصار والسلاح وليس كما في العراق وأفغانستان حين ذهب بقواته والناتو. في سورية استمات بدعم داعش والنصرة، ولم يَخُض القتال بجنوده لأنه موقن بخسارته وأن من سيدفع الثمن الكيان الصهيوني.
الناتو يضرب الطرائد الضعيفة كما في ليبيا، والأميركي لم يعد يقترب من خسارة محسومة لصالحه كما العراق، حين استعرض عضلاته على الشعب الأعزل في حركة وسخة، بعد حلّه الجيش العراقي الذي كان يخشاه.. لكنه منّي بخسائر بشرية كثيفة من جنوده فما غامر بهم ثانية
لذا بايدن يقاتل روسيا في آخر جندي أوكراني. ما جعل كيسنجر يصرح بأن الوضع الأمثل لإنهاء هذه الحرب هو تغيير دستور أوكرانيا، لينص في بنوده على وضعها محايدة، بما يجعلها جسراً للتواصل بين روسيا وأوروبا، مذكراً بما كتبه سابقاً بأهمية الابتعاد عن فكرة انضمامها للناتو.
ثعلب السياسة العالمية يحذر من العواقب الوخيمة، لتجاهل الغرب مكانة روسيا في ميزان القوى، وتأثيرها على أوروبا والعلاقات الدولية بوجه عام. وأن الحرب إذا طال أمدها لأكثرمن شهرين آخرين، يمكن أن تصبح أكثر تعقيداً وصعوبة على دول العالم أجمع، وأوكرانيا تحديداً.
مؤكداً أنه على الغرب التوقف عن محاولة هزيمة روسيا؛ على يد الجيش الأوكراني، لتجنب كارثة أوربية. وعلى الجميع العمل لإجبار أوكرانيا على التفاوض؛ من دون إطالة زمن الأزمة أو ترحيل حلها إلى وقت لاحق، لا تحمد عواقبه، التي سترتب أزمات كارثية على العالم أجمع.