الثورة – تحقيق – بشرى فوزي وحسن العجيلي:
” كيف كانت المراقبة “ربما يكون السؤال الأول الذي يسأله الأهل لأبنائهم حال خروجهم من المركز الامتحاني والذي قد يسبق سؤالهم عن كيفية حل الأسئلة الامتحانية.
المراقبة الامتحانية تشكل هاجساً لدى الأهل والطالب لا لناحية الرغبة في التساهل فيها وإفساح المجال للغش الامتحاني وإنما لناحية ما يتركه لمراقبون أحياناً من أثر سلبي على الحالة النفسية للطالب تنعكس بالتالي سلباً على أدائه ونتيجته، فبعض القائمين على عملية المراقبة الامتحانية لاتتعدى ثقافة المراقبة لديهم مفهومها السلبي، مسيئين الظن بالجميع معتقدين فيهم نية الغش سلفاً، وهي صورة نمطية رسمتها الممارسة في أذهان الأهالي والطلاب على حد سواء، رصدتها ” الثورة ” في دمشق وحلب.
* تجارب الأهل تعكس قلقاً..
تقول “هناء”: يدرس أبناؤنا طوال العام الدراسي ويدخلون دورات ودروساً خصوصية، وهناك وضغوط على الأهل والطالب وفي النهاية ممكن أن يأتي مراقب (تربوي) قد أزعجه أمر ما شخصي أو معيشي ” ويفش قهرو ” بالطلاب كأن يبدأ بالصراخ والتهديد والوعيد، أو يترك الحبل على غاربه للقاعة، وهنا يضيع تعب كل طالب بالتشتت الذي يصيبه والصدمة التي يتلقاها في أكثر الامتحانات نزاهة كما يعتقد خلال العام الدراسي، مشيرة إلى بعض التشتت الذي يحصل نتيجة الضجة أثناء جولات بعض المعنيين على المراكز الامتحانية، ومنها جولات للمعنيين بوزارة ومديريات التربية.
وتوافقها الرأي “كندة” مضيفة بأنها تسأل ابنتها التي تقدم امتحانات شهادة التعليم الأساسي بحلب عن المراقبة والوضع في القاعة لناحية الجو الامتحاني والهدوء وعدم شعورها بالتوتر، خاصة وأن تجارب عديدة للأهل أو للطلاب تعكس قلقاً من المراقبة.
وتتمنى “فاطمة” على المراقبين أن يضعوا في حساباتهم أنهم يتعاملون مع مستقبل وأحلام الطلاب وأن لايحملوا الطلاب وزر معاناتهم وتعبهم خلال العام، وأضافت (يعتبروهم ولادهم) ويضعوا أنفسهم مقام الأهل والطالب الذي يفقد بعضهم حياتهم لنيل شهادة الثانوية العامة فرفقاً بأبنائنا.
* الطلاب: نفتقد الدور الأبوي..
وللطلاب رؤية تتوافق مع رأي ذويهم ، وتؤكد “نسرين” طالبة تتقدم لامتحانات الثانوية العامة أن هناك نوعين من المراقبين إيجابي وسلبي فالمراقب الإيجابي حسب وصفها من يهدئ من روع الطلاب ويشجعهم ليكونوا مقدامين بكلمات كثيرة (لا تخافوا- أنتم شجعان -الأسئلة بسيطة ومفهومة) وغيرها الكثير من العبارات التي تعزز ثقة الطالب بنفسه.
أما “يامن” طالب الثانوية العامة يقول للمراقب دور أساسي ومهم في هدوء الطالب ومحافظته على توازنه فإذا ضبطت حالة غش في مركز امتحاني يحدث فجأة استنفار للمراقبين وكأن الجاذبية الأرضية حدث بها خلل ويبدأ القيل والقال والتهديدات ويختلط الصالح بالطالح وكأنها قصة لم تحدث عبر التاريخ، متمنياً التعامل مع هكذا حالة كحالة فردية وليست جماعية حيث تؤثر هذه التصرفات على إجابات الطالب وبالتالي محصلته النهائية.
ويقول “خليل” طالب متقدم لشهادة التعليم الأساسي بأن بعض المراقبين لا يتعاملون بشكل جيد مع الطالب ويعاملونه كأنه صنم وليس بشر، متابعاً: سقط القلم من يدي أثناء الامتحان ولم يسمح لي بالتقاطه من الأرض وتابعت الامتحان بقلم آخر كان معي، متسائلاً ماذا لو سقط القلم الآخر فهل سأحرم من متابعة الامتحان؟ وهل سيحصل خلل بالعملية الامتحانية إذا التقطت قلمي؟ أو ليقم المراقب بدور أبوي ويعطيني القلم إذا كان يشك بي.
وتشير “تالا” طالبة في الصف التاسع إلى أنها تشعر بالتوتر لمجرد سماع أي صوت، وأنها تحتاج للهدوء حتى تتمكن من التفكير والاجابة بشكل سليم، مضيفة أنّ بعض المراقبات يحدثن ضجيجاً بأصوات الأحذية التي يرتدونها حيث يبدأ التوتر مع كل خطوة وخاصة عندما تختفي أوراقك من أمامك فتكون بين يدي المراقبة لأنها تتحول فجأة إلى (مفتش جنائي) وتشعرك بأنها قبضت على مجرم خطير لتعود وتضع الأوراق أمامي بعد أن تكون أفكاري تشوشت وهربت وأحتاج لوقت لأستعيد الفكرة التي كنت أستحضرها فلماذا كل هذا التخويف والترهيب من قبل المراقبين حسب قولها.
* مراقبون: بث الروح الإيجابية..
“نغم” مراقبة في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوية توضح أنّ المراقب تربوي ومؤهل، وهو يعيش نصف حياته بين الطلاب لذلك يتعامل مع الطلاب في الامتحانات بلطف وهدوء وتأنٍ، ويشجعهم ويساندهم على تجاوز خوفهم وقلقهم من الورقة الامتحانية باعتبارها تقرير مصير لجميع الطلبة فلا يجد مشكلة في تهدئة الطلاب وإعطائهم كأس ماء ولايعاملهم كأنهم مشبوهون ولا يحاول قمعهم لأنهم يعيشون ضغوطاً غير مسبوقة كما ترى.
وتؤكد رأيها المعلمة “مريم” بضرورة التعامل بالكلمة الطيبة وإراحتهم نفسياً وإعطاء نصائح مثل ” لا تخافوا ولا تترددوا وارتاحوا ومعكم وقت ” مؤكدة أنه يوجد مراقبين سلبيين وبمجرد دخولهم إلى القاعة يبدؤوا بالصراخ على الطلاب ” لا تتحركوا لا تشاغبوا ” وبمجرد انتهاء نصف الوقت وإذا جلس طالب من دون أن يحل يطلبوا منه الخروج، منوهة إلى أنه قد يكون يفكر بجواب ما أو يستجمع قواه أو يراجع أجوبته فيتسببون للطالب بحالة خوف ورعب.
وتشير المعلمة “هبه” إلى أنه على الطالب ألا يشعر بحالة خوف من المراقب وعليه أن يتشجع ليسأل المراقب أي سؤال عن شيء غامض بالنسبة لهم وخاصة طلاب التعليم الأساسي لأنها التجربة الامتحانية الأولى لهم، وعن تجربة شخصية تقول: مثلاً في مادة اللغة الإنكليزية دفتر الإجابة لم يكن واضحاً حيث كان مرقماً للعدد 34، والأسئلة 38 سؤالاً، وبدأ الطلاب يسألون عن كيفية الحل، ودوري كمراقبة أن أشرح لهم أو أنقل سؤالهم للمشرفين، فدخل مندوب التربية وأنبني مدعياً أن كل شيء واضح، فأجبته بأنني أشرح للطالب وأوضح له كيفية التعامل مع الورقة نتيجة إشكالية ترقيم الأسئلة وورقة الإجابة.
* مراقبون آخرون: الأجور زهيدة..
ومن وجهة نظر أخرى يعتبر “علاء” وهو مراقب أن تكليف المعلم بفترتي مراقبة (تاسع وبكالوريا) يزيد من الضغط على الطلاب والأساتذة، مضيفاً في حين نرى مئات المدرسين في مراكز الاحتياط، إضافة إلى إعفاءات من دون مبرر، ولذلك لابد من توزيع الأدوار بعدالة حتى نحصل على جودة للمراقبة، وأضاف يجب ألا يطلب أحد من المراقب (الأستاذ) الذي يقضي نهاره في المواصلات أن يفصل بين تعبه (وشنططة الباصات ) وبين ضغوط الحياة والمراقبة بأن يكون مبتسماً ولطيفاً يراعي ظروف الجميع، ولا يُراعى هو بأي شي، ومضيفاً ليست مهمته نفسية الطالب ومشاعره فهو يأتي لأداء واجبه مقابل أجرة زهيدة لا تكفيه (أجرة للباص).
* اختصاصي تربوي: تكامل الأدوار..
الدكتور “مصطفى صباغ” الأستاذ في كلية التربية بجامعة حلب وصف العملية الامتحانية بأنها من أصعب المراحل سواء بالنسبة للطالب فهي موسم تحديد المصير، وكذلك بالنسبة للأهل فهي موسم الرغبة بالشعور بالفخر بنجاح أبنائهم، وأيضاً بالنسبة للمراقبين بوصفها فترة مسؤولية، مضيفاً بأن بعض الطلبة قد يمرون بحالة مزرية أثناء تقديم الامتحانات لعدة أسباب منها المطالبة المستمرة من الأهل بتحصيل الطالب لدرجات عالية و توقعات الطالب المرتفعة وخشيته من عدم نيل الهدف و صعوبة الأجواء الامتحانية في بعض المراكز نتيجة عدم توفر الإمكانيات اللوجستية الكافية، وكذلك عدم وجود مراقبين مدربين على القيام بالإجراءات الامتحانية بالشكل الأمثل.
ويرى الدكتور “صباغ” بأن تكامل أدوار كل أصحاب المصلحة والمتأثرين والقائمين على العملية الامتحانية يسهم بإنجاحها، فيكون دور إدارة العملية الامتحانية انتقاء القائمين على العملية الامتحانية من الأكفاء وتدريب العاملين على كيفية زرع الراحة والطمأنينة داخل نفوس الطلبة، و تغيير مفهوم المراقب من كونه مراقباً يسيطر على الطلبة، إلى مساعد في إنجاح العملية، إضافة إلى إجراء تقييم مستمر للعملية الرقابية، ومنح المكافآت والعقوبات للمراقبين، منوهاً إلى دور الأهل بدعم الطالب وتشجيعه، ودور الطالب ذاته بالتحضير الجيد والدراسة المركّزة.
و توجيهات الوزارة بتأمين الأجواء المناسبة.
* لاتهاون بأي ضرر يلحق بالطلاب..
عن هذه القضية يقول رئيس دائرة الامتحانات بدمشق “محمد صافية”: لا أعتقد أنه يوجد داعٍ للخوف من المراقبين، فهم قبل كل شيء مربون ومعلمون، وهم حريصون على مصلحة الطلاب، مضيفاً بأن توجيهات الوزارة واضحة بهذا الخصوص حيث تم التأكيد على تأمين الجو الملائم للامتحان والحرص على امتصاص القلق والتوتر، كما تم تكليف المرشدين النفسيين بأعمال المراقبة لمعالجة حالات القلق والتوتر التي قد توجد في المركز الامتحاني.
وأكد صافية بأن المراقب هو أب وأخ في القاعة وليس شرطياً ، وإن حدث ووجد بعض المخالفات فمن حق الطالب وولي أمره الشكوى على هذه المخالفات والوزارة لن تتهاون باتخاذ الإجراء الرادع والمناسب بحق المخالفين والمقصرين إذا ثبتت إساءتهم أو تسببهم في أي ضرر يلحق بالطلاب.
-“الحديث للمحرر”:
بالبحث على الموقع الرسمي لوزارة التربية عن ” تعليمات الإشراف والمراقبة للامتحانات العامة ” نجد أن آخر تعليمات تم نشرها كانت عام 2019، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن عدم نشر التعليمات منذ ثلاث سنوات.
* ختاماً:
تبقى العملية الامتحانية برمتها هاجساً لدى كل أطرافها حتى الانتهاء منها، وهذا يتطلب تغييراً في الأدوات التي تحكمها وطريقة التفكير تجاهها لتكون مخرجاتها مرضية للجميع، وكما نتمنى للمستقبل الذي محوره الطلاب أن يكون.