الثورة – هفاف ميهوب:
عندما بدأت زوجة الفيلسوف الفرنسي “بول ريكور” تقترب من الموت، شغلته فكرة أن يكون الإنسان شاهداً على لحظاتِ الاحتضار والموت، ومراسم الحداد والعزاء، ونظرة الآخرين إليه كإنسانٍ لا يزال يحيا.
حتماً هي ليست فكرة إنسان عاديّ، بل فيلسوف واجه هذه اللحظات، بتأمّلٍ تساءل فيه بطريقةٍ اختلط فيها الديني مع الفلسفي والسياسي، ليكون أوّل سؤال أطلقه: “ولكن ما هذا الموت الأكثر واقعية في الحياة”؟
إنها التأملات التي تقصّد أن يتركها سنوات طويلة دون أن يطبعها في كتاب، والتي تمّت طباعتها بعد موته بسنوات، وهو ما أراد منه أن يعرف الموت وهو حيّ، مثلما أراد للآخرين أن يعرفوا الحياة من خلال موته.. موت فيلسوف رأى بأن “فقدنا لإنسانٍ عزيز، لا يعني أننا تخلّصنا منه، ولا أنه انتهى منّا إلى الأبد”، وبأن “الإنسان يمارس الحداد من أجله هو، لا من أجلِ شيء آخر”..
نتوقف هنا، لأن هذه الأفكار تحتاج إلى تأمّلها، حتى وإن لم يكن بطريقة “ريكور”.. نسأل: لماذا؟… وقبل أن نفكر بالإجابة، نبحث عنها في شذراته، فنجدها في فلسفته: “لأن علاقتي بالموت غير منتهية الصلاحية بعد. هي علاقة مُحتجبة، مطموسة، مُضعَفة باستباق سؤال مصير الأموات الذين هم موتى قبلاً.. إنه ميت الغد، المستقبل القريب الذي أتخيّله، وصورة الميت التي سأكونها بالنسبة للآخرين، والتي تريد أن تحتل كلّ المكان، مع مجموعة من الأسئلة: من هم، أين هم، كيف هم الأموات؟….
يجيب بهذا، معتبراً أن كلّ الإجابات التي صدرت عن ثقافات مختلفة، وسواء العادية أو الفلسفية، كانت رداً على أسئلة من هم على قيد الحياة، وليس الأموات الذين تخيّل نفسه بينهم، ويسأل ما يتخيّل أيضاً بأنه سؤالهم…
هو موتٌ يحيا في ذاكرةِ فيلسوف،ٍ يرى الحياة عبر زمن الكتابة والابتكار، في الوقت الذي يرى فيه الموت “نهاية لذاكرة الذات، وحياة لذاكرة المقرّبين، لإحياء حتى الموت”..
هكذا عاش عالم الإنسانيات هذا حياته، يتأمل الموت وهو حيّ.. الموت الذي استبق الزمن وعاشه مستقبلاً، وصولاً إلى لحظات مرضه ومعاناته ورسالته:
“في ساعةِ الانحطاط، تستيقظ كلمة البعث من عمق الحياة.. تبرز قوة تقول: إن الكينونة هي الكينونة ضد الموت”…