لو أعرف كالمتنبي أن أكلم العيد فأحمله رسائلي.. لما مضى الأضحى الأخير دون أن أودِعه رسالة تريح قارئها إذ هي تأخذه في رحلة عبر بيد دونها بيد..
عيد ٌ بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم بأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم
فليت دونك بيداً دونها بيد
يا لعظمة المتنبي … ولست أنا إلا متحرش به ..
من عيد إلى عيد ومن أضحى إلى أضحى .. وحده المتنبي الذي خلد مروراً للأضحى كان فيه العيد هو الضحية .. وما زالت راياته تتلى منذ استيقظ القوم في وقفة العيد فوجدوا تحت الوسادة رسالة جردته من كل فرح.
نحن لم نفقد الفرح في العيد .. بل في كل عيد .. وقد نكون فقدنا الأعياد كلها..!! هل يلتقي الفقر مع الأعياد ؟ .. نحن نعيش الفقر .. ونفتقد البهجة .. بهجة العيد أو بهجة الحياة كلها.
من يستطيع كالشاعر العظيم أن يودع العيد قبل أن يكون يومه الأول ..؟!
في عيد .. في موسم كان للأعياد .. رأيت الأضاحي ورأيت أدوات لطهي طعام العيد .. ورأيت الحطب يوقد تحت القدور .. والماء يغلي واللحم داخله يفوّر .. ورأيت أناساً يتسولون كرم العيد .. كانوا يُطعمون قليلاً .. لكنهم كانوا فرحين بما يأكلون ..
كان الجوع ولا ريب .. وكانت الحاجة .. لكن لم يكن اليأس والبؤس كما هو اليوم ..!!
لماذا..؟!
حياة الناس اليوم أحسن بما لا يقاس .. للناس اليوم صوت .. وهم يسألون عن العيد .. لكنهم لا يطعمون..!!! بل يدفعون دفعاً لنسيان العيد وطقوسه وأفراحه .. وما يمكن أن يُشرى .. وما يمكن أن يطبخ وما يزيّن حياة الأطفال..
في فقر ذاك الزمان .. لم يكن العيد يمضي دون أمل .. وفي فقر اليوم بقي بعض متاع .. وغاب الأمل .. غاب الفرح .. وانتشر الخوف .. الكل خائف.. من جمع مالاً حراماً خائف ومن جمع مالاً حلالاً خائف .. تحداهم العيد وفرقهم وفارقهم .. ودونهم بيد تفصل بين الباب والعتية .. بين الجار وجاره .. بين الأخ وأخيه … بين الحلق والمعدة .. ويطلبون منا بعد، أن نغني العيد!!!..