الثورة – هفاف ميهوب:
لم يتميّز الكاتب والفيلسوف الروماني “إميل سيوران” عن بقية فلاسفة التشاؤم، بنظرته للوجود الذي اعتبره أمراً عبثياً، وللعالم الذي رفض الانتماء إليه، أو حتى الاكتراث به، معتبراً أنه فيه “في وضع الغريبِ الدائم، وفي حالةِ لا انتماءٍ كلّي حيال كلّ شيء”..
لم يتميّز عن هؤلاء الفلاسفة بنظرته هذه، وإنّما بتركيزه على بداية الوجود لا مستقبله، ومنذ لحظة الولادة التي وجدها تقود إلى حياة زائفة وعدميّة وغير محتملة.
هكذا نظر “سيوران” إلى الوجود، الذي شعر بأن انحداره، يسبّب له الكثير من الألم.. لكن، كان ألمه هذا ألماً أدبياً وفكرياً، دوّنه عبر “موجز العفن” و”على مرتفعات اليأس” و “كتاب الأوهام” و “دموع وقديسون” و “مثالب الولادة” و “السقوط في الزمن”، وغير ذلك من الأعمال التي كان الألم والحزن في أغلبها: “الألم يفتّت المادة، والحزن يفتّت الروح”..
إنه الألم الذي فاقم من شعوره بسخافة الحياة، وموت حتى الفكر فيها.. موته هو أيضاً، ولكن بطريقةٍ جعلته يرى كلّ ما حوله، أشبه بمحيطاتٍ تبتلعه وتُشعره، بأن “المياه كلّها بلون الغرق”..
أشعرته رؤيته هذه أيضاً، ورغم أعداد مؤلفاته، بأن مداد كلماته شحيح، وفكره يعاني من “ضمور الكلمة”.. الأمر الذي جعله يحلم “بعالمٍ نموت فيه من أجل فاصلة”..
هكذا مضى “سيوران” في فلسفته المتألمة، ودون أن يرضى عن أيّ شيءٍ في الحياة، أو حتى يكترث للزمن الذي وجده: “الزمن ينزلق على الآخرين، على الذين لا يتألمون، لذلك يمكن القول إنهم لا يعيشون في الزمن، وربما لم يعيشوا فيه قط”..
كلّ هذا الألم، يزداد لديه في زمنِ انحطاط الحضارة، وضياع قيمها وأخلاقياتها، وعلى يد الغرب الذي وصفه بـ “جيفة معطّرة”.. زمن التقنيّة التي قتلت حقائق الحياة، وأحيت الأوهام التي جعلته يسخر من عصر التقنية هذا، وبقوله:
“عصر الكمال في الوفرة ولّى.. مادة القصائد والحبّ نفذت.. حتى الرعاع طلّقوا العاطفة.. لقد سقط البطل لانتهاء مدّة الصلاحية.. وحدها المجازر ذات المفعول المجهول، ما زالت صالحة للتداول.. نحن دمى متحركة واعية، صالحة فقط للتهريج، أمام مالا علاج له..
الغرب ممكن لا غدَ له، والمتحضّر البرجوازي الغربي معتوه، لا يُفكِّر سوى بالمال”.

السابق