حسين صقر
لا أحد يستطيع الجدل في فوائد الميراث من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والتربوية، لأن ذلك يخفف أو يقلل حدّة التفاوت المادي بين الناس، كما يحدّ من البطالة والكساد، ويأخذ كلّ ذي حقّ حقّه، لأن الأموال والممتلكات تدور وتُدار بين الناس حسب الزمان والمكان.
وفضلاً عن ذلك يسبب الموروث بزيادة الكفاءة في استخدام الموارد، وتقوية الروابط الاجتماعية بين الأقارب، ونادراً مايكون سبب خلاف بين الوَرَثة، إلا إذا كان التوزيع غير عادل أصلاً.
والسؤال هل يملك الورثة الحقّ في الاعتراض على تصرفات المؤرث في حياته التي أنقصت من حقّهم في الإرث؟ وماذا لو قصد المؤرث حرمان الورثة أو بعضهم من الميراث؟ ولمعرفة كيف تعامل القانون والاجتهاد مع هذا الموضوع، ” الثورة” تواصلت مع المحامي بشار العلي والذي قال: إن ما يمارسه المؤرث من تصرفات في حياته حيال أحد الورثة، تكون صحيحة حتى ولو كان المؤرث قد قصد بها حرمان ورثته الباقين، لأن التوريث لا يقوم إلا على ما يخلفه المؤرث وقت وفاته أما ما خرج من ملكيته خلال حياته ، فلا حقّ للورثة فيه، وذلك وفق الاجتهاد القضائي المستقر الذي تصدى لهذه الإشكالية كالقرار رقم 682 أساس 1509 تاريخ 1988/4/21 ، والقرار رقم 514 أساس 1198 تاريخ 1988/3/19 سجلات نقض مدني سوري.
وأضاف :تكون التصرّفات المنجزة التي يجريها المورث خلال حياته صحيحة حتى يكون التصرف الناجز الصادرعن المؤرث صحيحاً ونافذاً بحقّ الورثة ولو أدى إلى حرمان الورثة أو تعديل أنصبتهم، و يجب أن يكون تصرفاً منجزاً وغير مشوب بعيب وغير صادر في مرض الموت لأن المالك الكامل الأهلية هو الحرّ بالتصرف بملكه حسب القرار رقم 296 أساس 522 تاريخ 1978/3/15.
و يجوز للمؤرث حال حياته تخصيص ورثته كلاً أو بعضاً منهم بأعيان ويكون ذلك لازماً بوفاته شريطة أن يكون ما خصص به الوريث مساوياً لحصته الإرثية من التركة في تاريخ وفاة المؤرث لا في تاريخ تحرير السند، وإذا كانت قيمة ما خصص للوريث بتاريخ وفاة المؤرث تزيد عن حصته الإرثية نتيجة ارتفاع الأسعار بشكل متباين، فإن الزيادة يسري عليها حكم الوصية لوارث، ولا تنفذ إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصي وكان المجيز كامل الأهلية.
وأجاب العلي رداً على سؤال متى تنشأ للوارث حقوق على التركة؟ أنه لا تنشأ للوارث حقوق على التركة إلا بعد وفاة مؤرثه ولا تكفي الصفة المحتملة بالوفاة، مشيراً إلى أن الحالة التي يجوز فيها للوارث الإدعاء على المؤرث حول تصرّفه الصادر إلى وارث آخر ولو كان هذا التصرّف على سبيل الهبة، في حالة أن هذا التصرف صدر عن المؤرث في مرض الموت وأن هذا التصرف أضر بحقوقه في الميراث. وأن المادة 877 من القانون المدني السوري نصت أن كلّ عمل قانوني يصدر من شخص في مرض الموت ويكون مقصوداً به التبرع، يعتبر تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت، وتسري عليه أحكام الوصية أياً كانت التسمية التي تعطى لهذا التصرّف، وإذا أثبت الورثة أن التصرّف صدر من مؤرثهم في مرض الموت، اعتبر التصرف صادراً على سبيل التبرع ما لم يثبت من صدر له التصرّف عكس ذلك.
وحول سؤال كيف يستطيع الوارث أن يثبت أن التصرف صدر من المؤرث وهو في مرض الموت ؟ قال العلي: إن المادة 2 / 877 من القانون المدني السوري أجازت للورثة أن يثبتوا ذلك بجميع الطرق والوسائل الثبوتية المقبولة ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند، إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً، و يحقّ للوارث أن يطعن أن السند صوري لجهة ما ورد فيه من بيع وقبض الثمن من قبل المؤرث، وأضاف أن مرض الموت حسب الاجتهاد القضائي هو المرض الذي يقعد صاحبه عن رؤية مصالحه خارج المنزل بالنسبة للرجل، وداخله بالنسبة للمرأة وأن يستمر هذا المرض لمدة سنة فإذا تجاوز المرض هذه المدة اعتبر التصرف الجاري من خلاله صحيحاً إلا إذا اشتد المرض وتغيّرت حالته فتعتبر الفترة من وقت التغيير إلى الوفاة مرض الموت ضمن حدود السنة.
وبين إن شروط مرض الموت أن يكون من الأمراض التي يغلب فيها الموت عادة، وهو من الأمور الفنية التي تحتاج إلى خبرة طبية لتحديد طبيعة المرض ، وأن يولد معه لدى المريض شعور بالخوف من الموت، وأن ينتهي المرض بالموت فعلاً قبل مضي سنة على بدئه ما لم يشتد المرض بعد ذلك، وأن يقعد المريض عن قضاء مصالحه العادية المألوفة التي يستطيع الأصحاء عادة مباشرتها.
وختم العلي أن هذا الموضوع شائك وكبير ومتشعب، ويحتاج لعدة حلقات أو جلسات، فحكم تصرف المؤرث بعقاره لأحد الورثة أو الغير إذا تم خلال أكثر من سنة من تاريخ الوفاة، يعتبر صحيحاً إذا تمّ خلال أكثر من سنة من تاريخ الوفاة ولا يهم مهما كانت حالة المؤرث ومهما كان مرضه.