الملحق الثقافي- أحمد علي هلال:
لا تبدو الحاجة هنا محض ترف أو استدعاء حنين بقدر ما تمليها الضرورة القصوى، ذلك أن المشهد السياسي بتسارعه وانعطافاته قد يشكل بيئة محرضة على استنهاض أسئلة الثقافة والفكر، بل أسئلة الفنون جميعها، وليس من قبيل الطموح النزق، بل أكثر من ذلك، فالثقافة بما هي بنية جامعة مانعة لا تكف على أن تستنهض حوافزها الدالة بتحولات الثقافة العربية، بوصفها أمام امتحان وجودي يمس أسئلة الهوية والكينونة والتاريخ المشترك، والمستقبل المشترك، في سبيل إنتاج مشهد ثقافي عربي مغاير، ذلك طموح نبيل ولكن.
إذ إن للصورة الكلية أبعادها الأخرى في تشكيل الوجدان الجمعي والذاكرة الثقافية الجمعية وبمفردات جديدة، تعيد لحمة اللغة والوجدان، ذلك أن أفعال الثقافة وبأنساق جديدة، من شأنها أن تأخذنا ليس إلى المشترك فحسب، بل إلى ما يمكن إنجازه نقيضاً لم قيل «إن ثقافتنا ليست بخير!»، فما الذي يجعلها بخير إذن؟، هي عودة الروح لتشكل ماهية الثقافة بتركيبها الجمعي لا الفردي الضيق، القائم على نبل الأهداف كما الوسائل، لأن الثقافة هي صناعة وصناعة ثقيلة جداً، وممكناتها كثيرة في مقابل واقع يتغير، ويرهص بغير استنهاض ونهوض دالته تجاوز المآزق التي شكلت تحدياً لخطاب الهوية، وعبر مراحل بعينها، تلك أسئلة العقل الثقافي العربي، أسئلة استحقاق وجوده، ليكون دالاً فاعلاً في نسيج حضاري مديد، يتجاوز دورة انقطاعاته، ويرنو إلى سيرورتها الأجمل في الوعي الثقافي العربي، بالصيغة الجمعية أيضاً، لأن مطلق أداء فردي بتكامله سيمثل خيطاً في نسيج متناغم، وليس متماثلاً بالضرورة، قوامه الرؤيا للثقافة بوصفها صورة تعني حراك العقول والإرادات، وستعني أكثر في مفهومها التعدد والثراء، الذي سينعكس على طرائق التفكير والتعبير، مما يسهم وبطموح نبيل في خلق محفزات جديدة لإبداع حقيقي قادر على أن يلتقط معادلة الوطن/اللغة، وإبداع الخصوصية في نسيج الجماعة، وإبداع كلمة الثقافة وتعبير صورها في ذاكرة حضارية مهددة على الدوام بالمحو والاقتلاع والتبديد، إذن هو الواقع من يملي استحقاقه ولكن بشرط الإبداع وحقائقه الراسخة، هو امتحان للوعي الثقافي المتجدد الذي يجعل من تعبير «قمة ثقافية» موازياً لما يشهده المشهد السياسي، فالثقافة بهذا المعنى هي رهان ينبغي ألا يكون خاسراً، ولا سيما ونحن في ذروة امتحان الوجود المهدد على الدوام لإنسان الثقافة العربية وحضارة روحه، ومنجزه الثقافي، طموح يتعالق بالواقع ليعيد صوغه وفق رؤى إرادات نبيلة مخلصة تحمل مشروعها التنويري القائم على التجاوز وإنتاج المعنى الكلي، من ثقافة عربية حقيقية تعيد الاعتبار لماهيتها وخطاباتها وصورتها أمام التاريخ.
العدد 1145 – 23-5-2023