بين الرسم الهندسي وتصميم الآلات.. الدكتور غازي الدروبي بصمة حضور في ذاكرة الأجيال

الثورة – غصون سليمان- رفاه فهمي الدروبي:
تبحر خطوط الرسم في محراب العمل والتصميم، في ملامح الصور المتجسدة في تجلياتها، حقبة غنية من الزمن الجميل، لإبداع سوري كان له بصمة من ذهب ونقش في حجر.. إنَّه إنسان معطاء يغرف من فن الحياة ما يُسمن ويُغني من جوع، بالمعرفة، والعلم، والإنجاز، بما يفيد المجتمع والأجيال المتعاقبة.


بقامته البهيَّة، ووقاره الرزين، ودفء مكان وبيئة يعمل ويعيش فيها.. يفرد الدكتور غازي الدروبي المهندس والفنان والمخترع ووزير النفط الأسبق، أدوات الإبداع على بساط الصحافة المُتعطِّشة لغزل الحروف ونسج العبارات من حرير الواقع ..
وإذا كان لكلِّ مجتهد نصيب فمن نصيب جامعة دمشق كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية أن يكون أحد أعمدتها باختصاص الرسم الهندسي وتصميم الآلات المتفوِّق باجتهاده فنال أعلى الدرجات العلمية من جامعات مصر وبريطانيا، ويعود له الفضل الكبير في تصميم المرشَّات الزراعية بأحجامها المختلفة وسيور الأفران بتقانة التبريد الطبيعي للخبز الساخن على مستوى الأفران الآلية في سورية، إلى جانب إنجازه مكابس الطباعة وبعض الأجهزة الطبية الخاصة بالمرضى وغيرها.
تجوَّلنا في ردهات وزوايا منزله الوادع بمشروع دمر وضمن صالونه الأنيق حيث تُغطِّي الجدران رسوماته وتصاميمه، فكل صورة من صوره المعلقة توثِّق جزءاً من تاريخ سورية التعليمي ولعلَّ الرسم كان المتنفَّس الأكبر له بعد التقاعد.
ويصف : ساعات الفراغ صعبة بعد التقاعد وكان لابدَّ من استثمارها بأشياء مفيدة تترك أثراً طيِّباً على أرض الواقع، ولا سيَّما أنَّها رحلة كفاح تعوِّض المرء عن نسيان صعوبات وأزمات شتَّى، وبالتالي يتوجَّب استمرار العمل طالما مازلنا على وجه البسيطة كلمات هادئة ذكرها ضيفنا في فاتحة حديثه، حيث نشأ وترعرع في حمص ونال الدراسة الإعدادية في مدارسها العريقة كمدرستي خالد بن الوليد، والثانوية العامة “عبد الحميد الزهراوي” باعتبارهما خرَّجتا أجيالاً من أدباء ومفكرين ومبدعين وقادة رأي.
التحصيل العلمي
بعد نيله الثانوية العامة ونتيجة تفوّقه أيام الوحدة بين سورية ومصر أُرسل إلى أرض الكنانة لمتابعة تعليمه الجامعي فيها.
وزير النفط الأسبق في عهد حكومة عبد الرؤوف الكسم أشار إلى أنَّه عاد إلى دمشق الفيحاء بعد نيله الشهادة الجامعية، وكان من الأوائل فتمَّ تعيينه في المعهد العالي الصناعي، ثم معيداً عام ١٩٦٩ في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية- جامعة دمشق.
فيما بعد سافر إلى إنكلترا لمتابعة تحصيله العالي لينال الدكتوراه من جامعة برمنغهام، وكان أحد أساتذة كلية الهندسة الكهربائية الميكانيكية في عام ١٩٧٣ بدمشق، وتسلم خلال الفترة وزارة النفط لمدة أربع سنوات متتالية بدأت عام ١٩٨٤.
ويُبيِّن الدكتور الدروبي أنَّه كان يمتلك ورشة ميكانيك في بلدة الهامة، ويُلبِّي حاجة السوق المحلية وعمل الجهات العامة والخاصة ببعض الجوانب الضرورية، وبأنَّ كتابيه التخصصيين في مجال التدريس “الرسم الهندسي وتصميم الآلات”، كانا من أهمِّ الركائز الأساسية لكلية “الهمك” ومتوفرين بأيدي طلبة الفرع. فكل شيء كان يرسمه بمخيلته يُطبِّقه قطعة كاملة وبعدها يفكك كل قطعة وحدها من أجل التنفيذ حسب قياس كل قطعة على حده وبما يتمتع به كل عنصر من عناصر الآلة المصممة.


إبداعات ميكانيكية
ويسرد كيف ارتقى بطموحه بعد نيله براءات اختراع عديدة داخل سورية وخارجها استهلها بتصميم مرشات للفلاحين والمزارعين وفق استطاعات مختلفة بدلاً من اقتنائها بموجب قروض، فأصبحوا يحصلون عليها مباشرة وبأسعار مناسبة وأرخص من السوق الأوروبية في حال استيرادها، وأتبعها بمرشات يدوية صغيرة الحجم خفيفة الحمل تُمكِّن أصحاب الأراضي من استخدامها بسهولة ويسر.
كما لم يكتفِ بما صنعه من خلال معرفته بالقائمين في لجنة المخابز الآلية واستطاعوا عبر التواصل معه والطلب منه بالاستغناء عن المخابز الآلية المزوّدة بمراوح تبريد والمستوردة من ألمانيا، ليقوم بتصنيع آلات تتميز بوجود عدة سيور تبريد طبيعية لكل المخابز الآلية الموجودة في سورية، حيث تُمرَّر عليها الأرغفة الخارجة من بيت النار حتى تصل رحلة مسارها إلى تعبئتها بالأكياس الخاصة بها، ما مكنهم الاستغناء عن المراوح وفق الطريقة الألمانية لعدم جدواها وتمّ تبريد الخبز الساخن بشكل تدريجي ما يؤدي لعدم جفافها وقسوتها كما ألحقها بآلة لتصنيع المعكرونة مزوّدة بسير واحد لها.
أستاذ التصميم والرسم الهندسي نوَّه بأنَّه اجتهد على تصنيع الشمعدانات و”اللمباديرات” كاملة بدءاً من القاعدة المصنوعة على شكل تمثال يحمل المصباح بالأعلى وتحيطه قطعة قماشية ذات نماذج مختلفة.
لم يكتفِ أيضاً بما أنجزه بل صنع آلة لطباعة لوحات فن الحفر على المعدن، فصمَّم مكبساً للنحاس والليونوليوم بطلب من الفنان غياث الأخرس، حيث كان يمتلك مرسماً بالقرب من نادي الشرق في العاصمة دمشق وأتبعها بآخر أصغر حجماً يسهل حمله ويمكن وضعه في صندوق صغير كي ينقله إلى فرنسا، وحين طلب منه زملاء المهنة هناك بيعهم المكبس، رفض الطلب باعتباره يحمل رائحة الوطن، وأتبعه بتصنيع جهاز خاص لكلية الفنون الجميلة
صغير الحجم ويسهل نقله من مكان إلى آخر ووفق أسعار مناسبة وقتذاك.


كراسي متحركة
الدكتور غازي الدروبي ذكر أثناء نقاشه مع شقيقه طبيب العظمية حين طلب منه تصميم وإنجاز كراسي قابلة للطي، وأخرى متحركة رياضية تستعمل في سباق ذوي الهمم، وثالثة لايمكن ثنيها تستعمل للسباقات الرياضية لافتاً إلى كيفية استعانته بأحد مصلحي الدراجات الهوائية حين كان يذهب لشراء “جنط الدواليب”، ونظراً لقدرته على الإبداع طلب منه صاحب المحل”الموسكلاتي” أن يقوم بتصنيع الدراجات بنموذجين الأولى عادية والثانية جبلية فكان الأمر، وأتبعها بجهاز حركة ثابت يدور بوساطة القدمين ويقيس المسافات المقطوعة وعدد الحريرات، كي يوفر بعمله قطعاً أجنبياً ومشقة استيرادها، إلى جانب تصنيع جهاز تعقيم أدوات الأسنان لدى العيادات لافتاً أيضاً إلى شغف شقيقه مهندس الميكانيك الأصغر منه بتصنيع أجهزة معقمات طب الأسنان وكل ما يتعلق بمخابر الأسنان والتعويضات السنية.
شارك بجميع دورات معرض دمشق الدولي، ونال شهادات التقدير وبراءات الاختراع المختلفة.
ولئنَّ المهندس المخترع لايعرف الاستكانة ولا الاستسلام للواقع والظروف الضيقة، فقد تابع مشوار عمله بالرسم على لوحات الخشب ومن خلال الصور ومضامينها المختلفة، معتمداً ألوان الواقع وبيئات المدن والناس فهو يُحبُّ الفنون كافةً، كونها تملأ الوقت وتشغل الذهن وتُخفِّف من المآسي وصعوبات الحياة.
وفَّروا الكثير
نهاية المطاف يمكن القول ومن خلال نظرة اقتصادية أنَّ الدكتور غازي الدروبي وشقيقيه وفَّروا الكثير من مواد الاستيراد ووطَّنوا الصناعة المحلية بدقة عالية في بعض مؤسساتنا وكلياتنا الجامعية من أجهزة مخبرية، وطبية، وزراعية، ورياضية، وفنية، ولعل مايثلج صدره اليوم كما يقول تواصل المئات من طلبته عبر وسائل التواصل الاجتماعي على حسابه الفيس بوكي وغيرها من تخرجوا في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية لأجيال متعاقبة، ويعملون في مواقع مختلفة داخل القطر وخارجه يعتبر رصيداً معرفياً واجتماعياً يُبنى عليه الكثير من الأمل والتفاؤل.

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى