ثورة أون لاين – نضال نعيسة
ليس ثمة توضيح غربي جماعي معلن، ولا تسريبات رسمية، حتى الآن، يمكن الاعتماد عليها في شرح سر الاندفاعة الغربية نحو إصدار القرار 2170، القاضي بوقف تمويل وتسليح إرهابيي تنظيميّ دولة الخلافة في العراق والشام "داعش"، وجبهة النصرة الإرهابيين، والأكثر أهمية في الأمر، أن صاحب الباع الطولى، وطارح مشروع القرار هم البريطانيون، ما غيرهم، أرباب الأصوات المزلزلة والقعقعة المجلجلة والصخب العالي في مؤتمرات "أصدقاء" الخراب والحطام، والدعاة الأكثر حماساً، للدمار وفوضاه الخلّاقة.
وفي ذات السياقات الطارئة، يطالعنا ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، بمعلقة بليغة عصماء في "الصنداي تلغراف"، يوم الأحد 17/آب/ 2014 يحذّر فيها من دولة "داعش"، ومن امتداد خطرها وتأثيرها إلى داخل بريطانيا، ذاتها. وحقيقة، ومن موقعنا، لا نملك، ربما، كل تلك المعطيات الأمنية، والعسكرية، والاستخباراتية، التي دعت السيد كاميرون لاجتراح هذه المعجزة البلاغية المثيرة، لكن يمكن، بالمجمل، موافقة كاميرون في الكثير من عناوينه المطروحة، حتى وإن أتت متأخرة، لاسيما وأن الدولة السورية، كانت، وخلال أربعين شهراً، ونيف، تقريباً، من عمر الحرب الكونية "الإرهابية" على سوريا، تحاول إقناع الغربيين، بأحدث خلاصات ورؤى وأهم ما توصل إليه "المستر" كاميرون. وكان الدكتور بشار الجعفري، مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة، قد أشار لذلك بـُعيد صدور القرار المذكور، قائلاً بأن سوريا تقدمت بعشرات الرسائل والتقارير حول ما يحصل فيها من إرهاب، ولو كانت بعض الدول الأعضاء قد أصغت لها جيداً في حينه لما كنا هنا اليوم، حسب الدكتور الجعفري.
وحقيقة، إن لم يعد من الممكن التستر وإخفاء تلك الرواية الطهرانية والرومانسية الملتبسة والزائفة البائسة والمثيرة للشفقة، واستحالة تسويقها، نهائياً، حول جائحة الإرهاب الدولي "الثورات" التي تجتاح المنطقة، وبالتالي، ضرورة السعي والتكاتف الدولي لوقف هذا الانهيار الأمني المريع الذي بدأت دائرته تتسع على نحو مرعب ومخيف، وتجلى هذا بسرعة صدور القرار 2170، فإن هذا لا يعني تجاوز وعدم التوقف، قليلاً، عند البعد الأخلاقي للمسألة برمتها، مع مقال السيد كاميرون )17/ آب/2014 ، والذي يفسر فيه خلفيات الهبـّة البريطانية بأنها تأتي لوقف زحف "الدواعش" الذي بات يتهدد البريطانيين، كما جاء في مطالعته المثيرة، بعد إغفاءة أهل الكهف. فهل يعني هذا أن لدماء البريطانيين، لوناً ولأمنهم ووجودهم أهمية خاصة تميــّزهم عن بقية الشعوب أم أن الضغوطات باتت أثقل من أن يتحملها كاهله المهدود من وزر خطايا الربيع وأثمانه الباهظة، لاسيما في هذه المنطقة التي طالما كانت تنزف دماً، ودموعاً، وعويلاً لثلاث، ونيف، خلت من عجاف السنوات، والعالم "الحر"، وبريطانيا، في قلبه، واقف يتفرج دون إنصات، ووعي لحجم وأبعاد المأساة؟ لكن حين تحسس رأسه، وشعر السيد كاميرون بأن نار الإرهاب بدأت تلسع وتقترب من الثوب البريطاني، بشكل ما، فهب ليثبت للرأي العام البريطاني، والعالمي، بأنه، وحكومته من أشد الرافضين للإرهاب "الثورات" في المنطقة وفي العالم، وبعد أن ولغ، وباع واشترى فيه طويلاً، وليبرّأ نفسه، وحكومته من كل تلك الاتهامات والإيماءات والهمسات التي بدأت ترتفع وتتصاعد لتشير صراحة إلى حلف وثيق العرى مع قوى الإرهاب الدولي وداعميه، في غير مكان.
بكل الأحوال، فأن تصل متأخراً، حتى وإن على مقال خجول أعرج ومن مخلفات ومنسيات خطاب الربيع الدامي في التلغراف، فذلك خير من ألا تصل أبداً، لكن، وفي الجانب الآخر من الموضوع، تقبع صدقية، ومصداقية، وواقعية الرؤية والرواية السورية حول ما كان حاصلاً ويحصل الآن، وهي تزكية هامة، ومن اللدود كاميرون، ما غيره، لكل محاولات السوريين الدؤوب لإقناع ذات الأعضاء الميامين اليوم، بذلك، وتأكيد لكل ما ينطوي تحته من عناوين ومعطيات يجب الاستناد إليها في معالجة، ومقاربة، وكبح حمى وجائحة الإرهاب أو "الثورات" سابقاً، وكما كان يروّج ويـُقال، حتى وقت قريب من الآن.