خميس بن عبيد القطيطي- كاتب من سلطنة عمان
بدأ كيان بني صهيون احتلال أرض فلسطين من خلال القيام بمجازر ومذابح إرهابية وعمليات إبادة لقرى فلسطينية أحدثت حالة من الرعب بين سكان فلسطين، على إثرها حدثت هجرة قسرية ونزوح جماعي عام 1948م، وهكذا ظل الاحتلال الصهيوني يعيث فساداً طِوال فترة احتلاله لمدن فلسطين بمساعدة القوى الدولية التي قررت رعايته واعتبار أمنه ضمن سياساتها الثابتة، ولذلك لم يتورع هذا المجرم الصهيوني من ممارسة ساديته ضد المدنيين الآمنين، واستمرأ قتل الأطفال والنساء والعجزة سواء بعمليات تصفيات جماعية أو من خلال تنفيذ حالات اغتيال فردية لقيادات فلسطينية، ولم يكن الصهيوني ليبقى في أرض فلسطين لولا هذا الدعم الدولي الذي يتشدق بحقوق الإنسان رغم انكشاف عورته وبطلان زيفه عبر تلك المنظمات الدولية التي لم تستطع إلزامه بإعادة أي من الحقوق الفلسطينية وذلك رغم صدور قرارات دولية بشأنها مثل القرار 242، ولكن منهجيته الصهيونية الإجرامية ونموذجه الإجرامي لم يكن ليأبه بالعدالة أو حقوق الإنسان أو تقرير المصير، لذلك استمر في غيه وطغيانه.
لكن الأنكى والأسوأ هنا أن تصر الدول الأوروبية والولايات المتحدة على توفير الحماية والرعاية لهذا الكيان المجرم عن سبق إصرار تماهياً مع جرائمه وهي تعلم أنه كيان لقيط جُمِعَ من شتى بقاع الأرض بعد توقيع وعد بلفور في نوفمبر عام 1917م وهو وعد من لا يملك لمن لا يملك برعاية دولة الانتداب البريطاني التي فتحت المجال لليهود بشراء الأراضي وسرقتها بين عام 1917 وعام 1947، ثم أكملت عصابات الهاجانا والآرجون وشتيرن مذابحها، فكم من المذابح والإبادات طالت هذا الشعب الصابر المرابط ومازالت حتى اليوم؟!.
ولا شك أن هذا السلوك الإجرامي الصهيوني لم يتوقف في كل مراحل التاريخ منذ حروب 48م و67م و73، وما قامت به من قتل للأسرى واستمرت في تنفيذ حملات الاعتقالات والاجتياحات لمدن الضفة والقطاع والاغتيالات التي طالت قيادات فلسطينية وإعلامية وأكاديمية طوال الفترات اللاحقة، ولم تتورع في استخدام القذائف المحرمة دولياً في جميع الحروب السابقة، ومارست التعذيب في السجون ضد الأطفال والنساء، وهكذا السلوكيات السادية الإجرامية هي حالة ممنهجة متأصلة ومتجذرة في كيان الاحتلال ومتلازمة صهيونية.
لا يمكن لمحتل أن يدرك معنى العدالة وقضية الحقوق رغم أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 29 نوفمبر 1947م والذي قضى بإنهاء الانتداب البريطاني بتقسيم فلسطين بين دولة عربية على مساحة 42،3% ودولة يهودية على مساحة 57،7% من أرض فلسطين التاريخية وإعلان ما يسمى “إسرائيل” التي ظلت تتمدد على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية واضعة شعارها على الكنيست من النيل إلى الفرات، ورغم دخول العرب لاحقاً فيما سمي بمفاوضات السلام واتفاقيات السلام مع أكثر من دولة عربية وانفرط عقد رفقاء السلاح والبندقية عندما وقَّعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو برعاية أمريكية عام 1993م على أن يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومعالجة القضايا الرئيسية (اللاجئون والقدس والحدود والمستوطنات والترتيبات الأمنية)، ولم تجن السلطة من مفاوضات الاستسلام سوى خيبات الأمل لأنه سلام الضعفاء وليس سلام الشجعان الذي يتكئ على القوة.
عرف الشعب الفلسطيني أن عودة الحقوق لن يتم إلا بالقوة، فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة والعودة إلى ساحة النضال التي بدأها الرعيل الأول أمثال الشيخ عز الدين القسام الذي استشهد عام 1935م، والحاج أمين الحسيني وبقية المناضلين الأبطال في ذاكرة الحركة الوطنية الفلسطينية لذا أفرزت الساحة الفلسطينية مجدداً أبطالاُ كانوا على الوعد أمثال المهندس يحيى عياش والعديد من الأبطال الآخرين ليعيد الشعب الفلسطيني رسم ملحمة التحرير بعد أربع سنوات من توقيع اتفاقية اوسلو عندما أيقنوا أن الصهيوني لايعرف معنى السلام فكانت الانطلاقة المقدسة التي بدأت بانتفاضة الحجارة عام 1987م وتوالى النضال الفلسطيني لتقوم انتفاضة الأقصى المباركة عندما دنَّس أرييل شارون باحات المسجد الأقصى في 28 سبتمبر عام 2000م، واستمرت الانتفاضة خمس سنوات تؤكد للشعب الفلسطيني أن مشروع التحرير لن يتحقق إلا من خلال هذا الكفاح المقدس لنيل حقوقه وتقرير مصيره، وكان من نتائج انتفاضة الأقصى انسحاب الاحتلال من قطاع غزة لتنمو شجرة المقاومة في غزة وتصمد في عدة حروب لاحقاُ 08/09م و2012م 2014م الأكثر دموية و2018 و 2021م في معركة سيف القدس التي سارع العدو إلى طلب الهدنة ووقف إطلاق النار، وهذه المواجهات كانت المقاومة تسجل حالة تصاعدية في تطور وقوة المقاومة الفلسطينية كماً ونوعاً، وقد قيل ما قبل سيف القدس ليس كما بعده فكانت معادلة القدس – غزة نموذجاً للمقاومة بالدفاع عن المرابطين في الأقصى، ومناصرة أهالي حي الشيخ جراح وحي سلوان الذي قررت بلدية القدس هدم منازلهم وهي تنم عن بلطجية النظام الصهيوني، ولكن منذ سيف القدس تأكد للعالم أن هذه المقاومة التي تأسست منذ انتفاضة الحجارة ماضية تشق طريق
التحرير لاستعادة الحقوق بالقوة حتى جاءت المفاجأة أخيراً والتي أذهلت العالم في السابع من أكتوبر 2023م عندما انطلق أبطال المقاومة من قطاع غزة وقد تحقق في هذه المعركة تحول نوعي استراتيجي في اطار الصراع وتمرغت هيبة جيش الاحتلال وقد فاق ضحايا العدو خلال ثلاثة أيام 1000 قتيل وما يقرب من نصف هذا الرقم من الأسرى وأكثر من ألفي مصاب بعضهم في حالات حرجة وهو ما لم يحدث طوال تاريخ الصراع، هذا المعادلة الجديدة في حرب التحرير كرَّسها رجال الله من أبطال غزة يساندهم أشقاؤهم في الضفة الغربية ومناوشات على الحدود الشمالية لفسطين مع حزب الله أكدت على وحدة الساحات، وأن وعد الله يقترب على يد هؤلاء الأبطال المتمسكين بقضيتهم ومشروعهم العظيم أملاً في تحقيق الفتح المبين.
ماضون بعون الله لا يضرهم من خذلهم، ولن تخبو عزائمهم، فما تحقق من أهداف يستحق التضحية والفداء، هذه حرب تحرير مشروعة من قبل أبطال المقاومة.
العدو الصهيوني اليوم أمامه خيار وحيد باستهداف الأبرياء العُزَّل، وممارسة عربدته وفق سياسة الأرض المحروقة بعد تمريغ كرامته يهدف إلى إسقاط مزيد من الضحايا لترميم هيبته التي كسرت، وهنا يجب على الدول العربية والإسلامية أن تقف وقفة صادقة وعدم الاكتفاء ببيانات التنديد والإدانة بل تقدم كل أشكال الدعم والمساندة، فهذه الفئة القليلة الصابرة المجاهدة اليوم تمسح عن الأمة غبار الذل والمهانة، وتلقن العدو دروساً في الكرامة، وتمرِّغ أنفه في التراب، وكما أعلنت دول أوروبا صراحة مساندة كيان الاحتلال ننتظر موقفاً مشرِّفاُ واضحاُ من قبل الأشقاء العرب والمسلمين في معركة طوفان الأقصى لاسيما وأن العالم اليوم يعيش حالة تحولات كبرى ينبغي استثمارها في تحقيق العدالة الدولية وإنهاء الاحتلال وعودة الحقوق لأصحابها.