الثورة-عمار النعمة:
لايمكننا الحديث عن السينما والمسرح والتلفزيون من دون أن نذكر الرواد الذين ثابروا وقدموا جل عطائهم .. فرحلوا عنا جسداً لكن أعمالهم مازالت باقية في وجداننا حتى اليوم .
تمر هذه الأيام ذكرى رحيل الممثل الفلسطيني السوري يوسف حنا المولود في قرية الرامة قرب عكا عام 1941، حيث لجأ مع عائلته إلى دمشق وتعلم في مدارسها حتى وصل إلى الجامعة فدرس الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق وبدأت أولى نشاطاته الفنية المسرحية أولاً، ثم التلفزيونية والسينمائية .
مارس حنا فن التمثيل في المجالات كلها، كان ناجحاً في كل ميدان، في كل حالاته لم يتوقف عن نقل كل ماهو جميل ولافت، عاش في دمشق فأحبها وأحبته وأعطته الكثير، هو أحد أبرز مؤسسي المسرح الوطني الفلسطيني في دمشق منتصف القرن العشرين، ثم من أبرز الوجوه التلفزيونية التي لم ينسها المشاهدون حتى اليوم، من خلال الأدوار الكثيرة، واللافتة التي لعبها .
في المسرح كان حنا نجماً لامعاً أبهر المحيطين بتجربته الإبداعية في تفاصيل عديدة، فقدم مسرحيات عدة من أبرزها “ماكبث” لشكسبير و”زيارة السيدة العجوز” للألماني دورنمات وكذلك “رحلة حنظلة” و”رقصة التانغو”، وكلها مسرحيات تنتمي للأدب المسرحي العالمي، وهو ما منحه مساحة كبرى لتحقيق موهبته التي ترافقت مع ثقافة واسعة خصوصاً في المسرح.
بعد ذلك لعب الراحل يوسف حنا أدوارًا مسرحية بارزة في مسرحيتي “شقائق النعمان” و”كاسك يا وطن” فكان علامة فارقة لاسيما أن نجمه سطع إلى جانب الفنان الكبير دريد لحام حيث حققت تلك المسرحيات حضوراً عربيًا مبهراً .
في ستينيات القرن الفائت أي مع تأسيس التلفزيون السوري (عام 1960) كانت أولى مشاركات يوسف حنا التلفزيونية تمثيلية بعنوان “أمل بالغد” من إخراج الراحل غسان جبري عام 1963، ثم تمثيلية مأخوذة عن مسرحية لسعد الله ونوس بعنوان “جثة على الطريق”، وجاء دوره الأهم في مسلسل “من أرشيف أبو رشدي” للمخرج علاء الدين كوكش عام 1967 الذي عاد وعمل معه في المسلسل الهام والشهير “أسعد الوراق” عام 1975 ثم “غضب الصحراء” مع المخرج هيثم حقي عام 1989 و”هجرة القلوب إلى القلوب”.
تميز حنا بأدواره المتنوعة واللافتة وربما كان المسلسل الذي حفر في وجداننا وكان صديق طفولتنا هو مسلسل “الدغري” المأخوذ عن رواية “زوبك” إخراج هيثم حقي فكان الأبرز والأمتع بالنسبة لنا .
لم يقل حضوره في السينما عن حضوره في الدراما والمسرح فشارك في أفلام عدة هامة نذكر منها “بعيداً عن الوطن” للمخرج العراقي قيس الزبيدي و”المخدوعون” للمخرج المصري الشهير توفيق صالح المأخوذ عن رواية غسان كنفاني الأشهر “رجال في الشمس”.
عُرف عن ميوله وانتماءاته لقضية وطنه فلسطين، ففاض حباً وعذوبة وعملاً حيث عبَر عنها في صورة مباشرة من خلال انتمائه للمسرح الوطني الفلسطيني ومشاركته في نشاطاته الفنية، بالإضافة إلى مشاركاته في العديد من الأعمال التي تحدثت عن القضية الفلسطينية .
على غير موعد وبشكل سريع رحل يوسف حنا عن عمر ناهز الخمسين عامًا لكن أعماله مازلنا نتابعها اليوم أكثر من أي وقت مضى فهي تحمل رسالة إنسانية عميقة وإبداعاً فنياً ودرامياً ومسرحياً قل نظيره.