فاتن دعبول
لا تزال قصيدة النثر محط جدال ونقاش حاد بين متعصب لها ويعطيها مرتبة الريادة، وبين من لا يجد فيها مقومات القصيدة المعروفة من الوزن والقافية والشكل، وعلى الرغم من انتشار هذا النوع من القصائد عند غير شاعر، لكن الحوار فيما يخص هذا النوع الشعري نراه يدور في الأروقة الثقافية من حين لآخر، ليضع معايير جديدة للشعراء لضبط تلك النصوص كي لا يضيع على خريطتهم الدليل.
وفي الأمسية الشعرية التي استضافها مركز ثقافي” أبو رمانة” بمشاركة وإدارة الشاعرة رنا محمود، وكان ضيفها الشاعر العراقي فائز الحداد، دار الحوار طويلاً حول قصيدة النثر وفلسفة النص، والوقوف عند أساسيات النص الشعري النثري، وأهم مقوماته، وكان للشاعر رؤيته الخاصة.
حملت الأمسية عنوان” كي لا يضيع على خريطتك الدليل” المأخوذ من عناوين إحدى قصائد الشاعر فائز الحداد، وبدأت الشاعرة رنا المحمود الأمسية بقصيدة توجهت بها إلى أطفال غزة، تقول: حين تهجيت اسم غزة، ترجل الليل من على كتفي وساق النجوم خيولاً بيضاء.. سألني عن سر الشمس في عيون الأطفال وعن الفتوح في قوافل العرب.
المستقبل لقصيدة النثر
وحول قصيدة النثر دار النقاش، وقدم الشاعر فائز الحداد لمحة عن نشوء قصيدة النثر وتطورها وأهم المقومات التي تسمها، وبرأيه إن قصيدة النص لها مكانتها وحضورها في الساحة الشعرية، وأن النقد الذي يوجه إليها يجب أن يكون نقداً منهجياً يعتمد على أسس ومعايير صحيحة، حتى ينال هذا النوع الشعري حقه من الانتشار والقبول.
وعن سؤاله بأن البعض ينظر إلى قصيدة النثر العربية، كما ينظرون إلى المرأة، يرون الشكل ويتجاهلون المضمون، يقول:قصيدة النثر العربية لا تزال محاربة ومطاردة من قبل الشعراء المتخلفين، وحالها حال المرأة العربية في مجتمعنا العربي التي يقف ضد تحررها بعض الناس المأخوذين بالقيم القديمة المتخلفة وبسطوة الرجولة المزيفة، لكن التاريخ لا يرجع إلى الوراء، والمستقبل سيكون للقصيدة النثرية وللمرأة، لتكونان بمكانتهما الصحيحة والمستحقة في المجتمع العربي.
وعن لقبه بعراب قصيدة النثر يقول: إن من أطلق هذا اللقب، الأديب والناقد العراقي قاسم الغزاوي قبل أكثر من عشرين عاماً، وتداوله بعده الكثير من النقاد والشعراء العرب، وأنا فخور بهذا اللقب وأتمنى ان أكون عند حسن ظنهم بي.
وقرأ بعضاً من قصائده، ليمتع الجمهور بشعره الذي حمل من عمق المعنى وجمال الصورة وسلاسة العبارة، ما جعل الجمهور يتفاعل مع قصائده، وكيف لا وهو المتمكن من أدواته، وعراب قصيدة النثر بامتياز. ويبدو أن الحوار فتح شهية الحضور للمداخلات، وخصوصاً أن الحضور النخبوي الذي تمتعت به الصالة من الشعراء والنقاد والأدباء، كان صيداً ثميناً للحوار والنقاش.
أسس وقواعد
وقد توقف رئيس فرع ريف دمشق لاتحاد الكتاب العرب الدكتور غسان غنيم عند محطات مهمة أوضح فيها: بعض الأفكار التي لها علاقة بقصيدة النثر، وخصوصاً فيما يخص الأسس التي تبنى عليها قصيدة النثر، ومن هذه الأسس أنها تقوم على لغة جديدة صيغتها مختلفة تعتمد على الانزياح والصورة العنقودية.
هذا إلى جانب الاهتمام بالتكثيف وعدم الاستفاضة، حتى لا تمتلىء القصيدة بالحشو، ويجب أن تتمتع قصيدة النثر بانسيابية اللغة والنص، وأن يكون في النص رابط أساسي يعيد موضوعات القصيدة الصغرى إلى الموضوع المحوري، والأهم من ذلك التمتع بالخيال والقدرة على رسم الصورة الشعرية رسماً مغايراً يقوم على الإدهاش.
وبين غنيم أن قصيدة النثر خسرت مقومين أساسيين لابدّ من تعويضهما وهما” الموسيقا والبعد عن الفراغات”، وخلص بدوره إلى أن الشعر إذا كان يمتلك الحالة الشعرية الحقيقية بأي نمط كان، هو قادر أن يكون شعراً متميزاً له حضوره الآسر والمؤثر في الساحة الشعرية، ولقصيدة النثر جملة من الخصائص لابد أن تتوافر بها، وخصوصاً الرؤيا لتكون قادرة على أن تصل إلى المتلقي، رغم أن قصيدة النثر هي أقرب ما تكون لقصيدة القراءة وليست هي بقصيدة منبرية، ومع ذلك فهي من الصعوبة بمكان لأنها تحتاج إلى التوازن في الجمل والإيقاع الداخلي والصورة وإيقاع الفكرة.
وجهات نظر
وأكد الأديب محمد الحفري على أن الخلاف في وجهات النظر لن ينتهي بين المتشددين للقصيدة العمودية أو الموزونة، وبين أصحاب قصيدة النثر، وقد يصل الخلاف أحياناً إلى إنكار شعرية قصيدة النثر ونفي الشعرية عنها، واعتبارها مجرد نص وحسب، وأشار إلى أن الفراغات النصية في قصيدة النثر، ليست لمجرد التوقف كما يرى بعضهم، بل هي وسيلة مهمة لمتابعة فكرة النص بطريقة أخرى، والشاعر العربي العراقي فائز الحداد هو من الشعراء الكبار وخاصة في مجال قصيدة النثر، مع العلم أنه يكتب الشعر التقليدي بطريقة حداثية متقنة، وشبهه” بروح الرحى” التي تدور ولا تتوقف عن إنتاج الأعمال الإبداعية الجميلة.
وتنوّعت المداخلات بطروحاتها حول قصدية النثر، ما لها وما عليها، ليجمع الحضور على أن القصيدة عندما تمتلك عناصرها كاملة، تستطيع أن تحظى بجمهور كبير، وأن تحتل مكانتها في الساحة الثقافية، وتخلل الأمسية قراءات شعرية للشاعر فائز الحداد والشاعرة رنا المحمود.