الفنان السوريالي محمد غانم أورورا: اللوحة السوريالية لعبةُ تشكيلِ وخلق الحياة كما لا تستطيع أن تجدها

الثورة- هفاف ميهوب:
تأمّلَ مفردات الحياة بعمق، فشعر بأن خياله المتمرّد على المعتاد، قادرٌ على إعادة خلقها وتشكيلِ تجاربها.. اخترق خصوصيّة كلّ الأشياء فيها، وبجرأةٍ ميّزته وجعلته، فنانَ الخفايا التي نبشتها أحلامه ورؤاه وأفكاره، لتبتكر بها لوحتها.
إنه الفنان السوريالي “محمد غانم أورورا” الذي جذبنا إبداعه، فسعينا لمحاورته بادئين بسؤاله:
# فنانٌ سوريالي.. هذا ما نعرفه عنك.. حتماً، هناك ما يعرّفنا بك أكثر، فيا ترى من أنت؟.
## أرى نفسي ذلك الشخص الذي ولد بمصادفةٍ متأخرة، ولم تجد أمّه سبباً مقنعاً للنذور له.. تلقّفتني ألعاب الأطفال في الحارات، وأسطح البيوت الطينية، وأغوتني الغابات بسحرها، وكذلك الغيوم، وتملّكتني الدهشة في كلّ ماتراه عيني.. عاجلتني الصدمات بكبحِ جماح الهوس بكلّ شيء، ولم يبق لي إلا هوس اللوحة، بعد تجربة العزلة التي أنضجت معرفتي بما أريد..
قالت لي أختي يوماً: رغم ندرةِ ما يستهويك، إلا أنك لاتعرف التوقّف لدى حدٍّ مما يستهويك.. تفعل هذا، مع أنك تعرف بأنك ستدفع الثمن أضعاف ما تتوقع.
# هذا عن أناكَ برؤيةٍ فنيّة، فماذا عن اللوحة السوريالية ؟..
## الحديث عن اللوحة السوريالية، ليس دائماً مجرّد حديثٍ عابرٍ أو رغبة آنيّة.. بالنسبة لي، اللوحة مسرح أقوم بتجهيز ساحته، وأدعه أياماً للتأمّل، النظر، الذكريات، الأحلام، الغائب عن العقل، الصراع، ما ليس منّي، الموت..
أقوم باستعادةِ الخلايا الأولى من الذاكرة، ثم يبدأ اللعب على اللوحة ـ المسرح، فيكون أكثر ما يجذبني ويثير فيّا شهيّة التحدّي، الارتجال الذي يحتاج إلى احترافيّة سيطرة اللون والفكرة والخيالات والأحلام ..
اللوحة السوريالية لعبة تشكيل وخلق الحياة، كما تحبّ وكما لا تستطيع أن تجدها.
# هل لنا أن نعرف، كيف ومتى وبأيّ أسلوب تبدأ رسم لوحتك؟!
## الأصعب دائماً هو البداية التي لا تراجع عنها، ولا عودة لتغييرها، ثمّ الانعتاق من عقلك الواعي وتحييده جانباً، وفتح كلّ الساحات لعقلك الباطن، وتركه يصولُ ويجول، والتقاط إشاراته وتحويلها للوحة.
خلال العمل، يكون حبس الأنفاسِ أمراً متعباً وشاقاً، كي لا تهتزّ اليد أثناء رسم التفاصيل الدقيقة.. تُحبس الأنفاس حدّ سماع ضرباتِ القلب، كطبلٍ في هدوء الليل.
اللون والخطّ والرموز والأفكار والتكوين، وكثافة الرموز والخداع البصري، كلّ ذلك يتداعى من مخزونكَ البصري، ونمطك وتكوينك الذي يسحبك، نحو لوحة تخصّك وترضى عنها عندما تنتهي منها.
عندما أرسم، أتجنّب الاستماع إلى أيّ نوعٍ من الموسيقا، وأتجنّب الرسم بحضورِ أيّ شخصٍ، أيّاً كان، فوجود الموسيقا أو الأشخاص، قد يفرض إحساساً مختلفاً عن الإحساس الحقيقي الذي يسود ويسيطر، وبالتالي قد يخلق تضارباً بالأحاسيس والمشاعر، ما يجعل اللوحة تتسرّب وتتلاشى، كما يتسرّب الماء من بين الأصابع.
ببساطة، تبدأ اللوحة كنيزكٍ مرّ صدفة أمام عينك، ثم لا تلبث أن تتورّط فيها، ويبدأ صراعك مع العناصر واللون.. اللوحة تستدعيك واللون يأسرك ويجذبك إليه.. العناصر ترمي بنفسها في حضن لوحتك، دون وعي منك.. عليك أن تجيد الهروب من أسرها كلّ يوم، ومن تعلّقك بها، لتنتقل إلى مساحة جديدة فارغة، وعندما تنتهي وتقف أمام لوحتك، وتقول في سرّك، من هذا المجنون الذي تلبّسني ليرسم هذه اللوحة، عندها تكون قد أجدت.


# تقول: تسكنكَ اللوحة وتستكين، وتغدو من روحكَ حتى حدود الامتلاء بالفراغ.. هل هو تماهٍ في الحياة أم الفناء؟.
## الأمر سيان، لا فرق.. الحياة أو الفناء كلاهما يكملُ الآخر، وهما وجهان لعملةٍ واحدة.. غريزة الفناءِ موجودة بشكلٍ خفي داخل كلّ إنسان، كما هي غريزة الحياة، ولربّما نحن في حالةِ فناءٍ ولا نعلم، وحالة التلاشي هي حالة انتقالٍ إلى كشف ذواتنا، وإجابات عن تساؤلاتنا وحيرتنا، وبحثنا المستمر عن ماهيّتنا وسبب وجودنا، وإجابة كلّ منّا عن سؤاله لنفسه: من أنا ومن أكون؟!.
# برأيك، كيف انعكس الفضاء الافتراضي على الفنّ التشكيلي، وهل أفاد الفنان، أم أنه أبقاه ضمن لوحته؟.
## هناك نتائجٌ جيدة ونتائج سيئة، والفنان الحقيقي يستفيد من كلّ شيءٍ.. الفضاء الافتراضي منح الفنان القدرة على نشرِ أفكاره وخيالاته ولوحاته، بعيداً عن لعبة السوق والعرض والطلب، ولكنه في نفس الوقت، جعله رهينة التقليد والسرقة الفنية، وقد تعرّضت لهذه الحالة، كما تعرّض كُثرٌ غيري، وأجد أن هذا الفضاء، كان مساعداً لنمطية تتفيه المفاهيم، واستبدال المبدعين والمفكرين بأبطالٍ وهميين، تتحكّم الشركات والمؤسسات في مفاهيمهم وطريقة حياتهم، وتفرضها على عالم واسعٍ، وهي بذلك تنحّي المبدعين الحقيقيين جانباً، وتهمّشهم لأنهم لا يناسبون توجّهات العالم المسيطر الحديث.
في الفضاء الافتراضي، لا قيمة لمفكرٍ أو مبدعٍ أو مميّز، ولا أبطال حقيقيين، فزمن الأبطال انتهى، ولو نقلنا أيّاً من المبدعين، من زمنٍ سابق إلى زمن الفضاء الافتراضي هذا، لتاه في اتّساع هذا الفضاء وزحمته.
أجد في هذا الفضاء، فرصة لزيادة التواصل وزيادة المعرفة والخبرات، فهو يحمل النقيضين معاً، والفنان الحقيقي لا تشغله كلّ هذه الأمور، فهو يبدأ من مساحة اللوحة البيضاء وينتهي فيها، والفنّ المميز المحمول على أسسِ فكر وجمال وإبداع وصراع، يعجزُ الذكاء الصنعي على خلقه، لأنه حالة معقّدة، تتمازج فيها التجربة والفكر والهواجس، والصراعات النفسية والماورائيات والأحاسيس، وعشرات العوامل الأخرى في لحظة إنتاج عملٍ فني.

آخر الأخبار
صندوق التنمية.. أفق جديد لبناء الإنسان والمكان "صندوق التنمية السوري"..  أمل يتجدد المجتمع المحلي في ازرع يقدم  350 مليون ليرة  لـ "أبشري حوران" صندوق التنمية يوحد المشاريع الصغيرة والكبيرة في ختام المعرض.. أجنحة توثق المشاركة وفرص عمل للشباب مدينة ألعاب الأطفال.. جو مفعم بالسعادة والرضا في المعرض في "دمشق الدولي".. منصات مجتمعية تنير التنمية وتمكن المجتمع كيف يستخدم شي جين بينغ العرض العسكري لتعزيز موقع الصين ؟ من بوابة السيطرة على البحار.. تركيا تصنّع حاملة طائرات تتجاوز "شارل ديغول" التداول المزدوج للعملة.. فرصة لإعادة الثقة أم بوابة للمضاربات؟! مواطنون من ريف دمشق: صندوق التنمية سيكون سيادياً سورياً الوزراء العرب في القاهرة: فلسطين أولاً.. واستقرار سوريا ضرورة استراتيجية عربية أهالٍ من درعا: إطلاق "صندوق التنمية السوري"  فرصة لإعادة الإعمار "صندوق التنمية السوري".. خطوة نحو الاستقرار الاقتصادي والسياسي الأمم المتحدة تؤكد أن لا حل في المنطقة إلا بقيام دولة فلسطينية "التقانة الحيوية".. من المختبر إلى الحياة في "دمشق الدولي" تقنية سورية تفضح ما لا يُرى في الغذاء والدواء انعكاس إلغاء قانون قيصر على التحولات السياسية والحقائق على الأرض في سوريا حاكم "المركزي": دعم صندوق التنمية السوري معرض دمشق الدولي.. آفاق جديدة للمصدّرين