“هكذا تُصنع النجوم “

كيف تصنع التفاهة نجوماً على مواقع التواصل على حساب النجوم الحقيقية؟ سؤال ينطلق في زمن تُصنع فيه النجوم على تلك المواقع بإتقانٍ متناهٍ.. ففي عالم التواصل الاجتماعي حيث السطحية، والانبهار بالمظاهر هما السمات السائدة، تُصنع نجومية جديدة بسرعة البرق.. فما إن يتبنى شخص ما حساباً على تلك المنصات، حتى تبدأ آلة الشهرة في العمل بخفة، ودهاء، محوّلةً إياه إلى نجم لامع يحظى بملايين المتابعين، والإعجابات.

هذه الصناعة الماهرة للنجوم المزيفة تنطوي على خدع بصرية، وحسابات دقيقة، هدفها الأساسي خداع الجمهور، والترويج لنماذج مثالية مصطنعة، فالأضواء الساطعة، والصور المحرَّرة، والتعليقات المنمقة، كلها تشكِّل واجهةً لامعة لا تعكس الحقيقة الكاملة لهؤلاء “النجوم” الجدد.

وما يزيد الأمر تعقيداً، هو أن هذه الصناعة تنجح في إشاعة ثقافة الظهور، والجاذبية السطحية على حساب الجوهر، والمضمون، فالمتابعون، وهم في الغالب من فئة الشباب، ينساقون وراء هذه الصور المثالية، معتبرين إياها مقياساً للنجاح، والقبول الاجتماعي.

في عصر الإعلام الرقمي المتسارع، شهدنا ظهور نوع جديد من المشاهير يعتمد على الفضائح، والمحتوى الرخيص والتافه بدلاً من المواهب، والإنجازات العلمية، والفكرية.. وقد أصبح مَنْ يتطلعون إلى الشهرة يحصدون ملايين المشاهدات، والتي تأتي معها بالأموال، وبفضل دعم وسائل الإعلام التي منحتهم أيضاً الفرصة للظهور، والانتشار.. ولولا أن وفرت لهم (الميديا) هذه الفرصة المناسبة التي اقتنصوها، وكثيرون منهم قفزوا إلى عالم الفن، والأدب دون امتلاك المؤهلات اللازمة، ولولا أن استغلت وسائل الإعلام حاجة الجمهور للترفيه، والإثارة، فرفعت من شأن هؤلاء الأشخاص، ومنحتهم المساحة الإعلامية اللازمة للشهرة، والنجومية، لما كان أحد ليعرف أنهم كائنات موجودة على ظهر هذا الكوكب.

في المقابل، نجد أن النجوم الحقيقية في مجالات الرياضة، والفن، والأدب، والعلم، والذين قدموا إنجازات للبشرية تُحترم، ومساهمات جوهرية هامة، وهم لا يكفّون عن اشتغالهم على تطوير أنفسهم، يخطفون الأضواء أيضاً.. ولكن ليس من هؤلاء النجوم المزيفين. فالمواهب الحقيقية، والأفكار البناءة قد تُغرَق في بحر الصور المصقولة، والتفاعلات الزائفة. ولا شك أن هذه الظاهرة تؤثر سلباً على صناعة الفن، والأدب، وسواهما حيث تتم التضحية بالجودة، والمضمون الأصيل مقابل الاهتمام بالإثارة، والتسويق، ليصبح من السهل على أي شخص أن يغدو نجماً دون أي إنجاز معتبر، أو مساهمات ذات قيمةٍ في المجتمع.

هذا الفرق الشاسع بين النجوم الحقيقيين والنجوم المزيفين يكشف عن حقيقة مؤلمة هي أن التفاهة، والسطحية هي ما باتت تحظى بالاهتمام، والمتابعة على مواقع التواصل، بينما الجهد، ومثله الإبداع يجد صعوبة في الظهور، والانتشار.

وهنا تكمن مأساة هؤلاء النجوم المزيفين إذ سرعان ما تنطفئ نجوميتهم عند أول هفوة ليسقطوا معها فيتبدد الضجيج من حولهم والضوضاء التي أحاطت بهم، وليصبح محتوى صفحاتهم الإلكترونية كبضاعة رديئة لا تجد مَنْ يشتريها.. في حين أن النجوم الحقيقيين في الرياضة، أو الفن، أو الأدب، والذين قدموا إنجازات، ومساهمات حقيقية لمجتمعاتهم، يظلون محتفظين بمكانتهم بغض النظر عن الأضواء الخادعة.

وعلى الرغم من ذلك، لا ينبغي أن ننسى أن مواقع التواصل هي مجرد أداة، وأن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق مستخدميها. فالتمييز بين الحقيقة والزيف، والتركيز على الجوهر بدلاً من المظهر، هي مسؤولية كل فرد في هذا العصر المليء بالخدع البصرية، والتحريفات المقنّعة.

إن ظاهرة صناعة نجوم مزيفة على مواقع التواصل هي إحدى أوجه الهشاشة الثقافية التي أصبحت تعاني منها مجتمعاتنا المعاصرة عموماً شرقاً، وغرباً. وللتصدي لهذه الظاهرة المقلقة، والتي باتت مزعجة كان لابد من تعزيز بعض المفاهيم، والقيم التي لا تتغير، ولا تتبدل لأنها ثابتة، وناصعة في جوهرها فما هو أصيل لا يمكن طمسه في مقابل ظهورٍ من فراغ، وجاذبية سطحية. فقط بهذا الوعي، وهذه المسؤولية الفردية، يمكننا الحفاظ على الإبداع في عالم يسعى باستمرار إلى خداعنا بالمظاهر كألعاب نارية منتهية الصلاحية من قبل إطلاقها.

* * *

آخر الأخبار
مديريات المحافظة تستنفر لإنجاز التحضيرات قبيل  فعاليات معرض دمشق الدولي ذكرى مجزرة الشعيطات ..جرحٌ مفتوح في ذاكرة الفرات غزة تحت وطأة الجوع.. أزمة إنسانية تتجاوز حدود السياسة نزيه شموط لـ"الثورة": طباعة العملة الجديدة يمنح "المركزي" أداة تحكم بالنقد العام مزارعو محردة بانتظار قرار تأجيل الديون حذف الأصفار من الليرة السورية..   خبراء  ل " الثورة ": خطوة تنظيمية في طريق  الإصلاح الاقتصادي معركة الماء في حلب.. بين الأعطال والمشاريع الجديدة تأهيل طريق مدينة المعارض استعداداً للدورة ٦٢ لمعرض دمشق الدولي التوجه إلى التمكين… "أبشري حوران".. رؤية استثمارية تنموية لإعادة بناء المحافظة السيطرة على حريق شاحنة في  حسياء  الصناعية تفاصيل مراسيم المنقطعين والمستنفدين وتعليماتها بدورة تدريبية في جامعة اللاذقية الكيماوي… حين صارت الثقافة ذاكرة الدم  واشنطن في مجلس الأمن: لا استقرار في سوريا من دون عدالة ومشاركة سياسية واسعة  " التلغراف ": الهيئة الدولية المسؤولة عن مراقبة الجوع بالعالم ستعلن للمرة الأولى "المجاعة" في غزة ضبط لحوم فاسدة في حلب وتشديد الرقابة على الأسواق تنظيم سوق السكن في حلب والعمل على تخفيض الإيجارات "المجموعة العربية في الأمم المتحدة": وحدة سوريا ضمانة حقيقية لمنع زعزعة الاستقرار الإقليمي بين الهجوم والدفاع.. إنجازات "الشيباني" تتحدى حملات التشويه الإعلامي منظمة يابانية: مجزرة الغوطتين وصمة لا تزول والمحاسبة حق للضحايا مندوب تركيا في الأمم المتحدة: الاستقرار في سوريا مرهون بالحكومة المركزية والجيش الوطني الموحد