الثورة- عمار النعمة:
عندما تمعن النظر في الشعر الفلسطيني تجد نفسك أمام تاريخ رواه الشعراء والكتاب لكل معركة، ولكل وقفة عز في وجه الاحتلال الصهيوني الغاشم، فكانت الكلمات الناطقة بالحق، والصورة الحية الحقيقية، وكانت ألوان الخطاب المتعددة، فأبدعوا وصاغوا وأجازوا لتبقى أشعارهم خالدة حتى اللحظة.
صوت فلسطينيٌّ
محمود درويش.. اسم مدون على صفحات الأدب، ترك في ذاكرتنا وذاكرة السنين 30 ديواناً، كتب الكثير الكثير عن فلسطين ورجالها الأشاوس، ليكون الصوت الفلسطيني الأكثر صدى في التاريخ المعاصر فقال في حب الوطن وهيامه:
أموت اشتياقاً
أموت احتراقاً
وشنقاً أموت
وذبحاً أموت
ولكنني لا أقول
مضى حبنا وانقضى
حبنا لا يموت
أبرز أعلام الأدب
أما الأديب غسان كنفاني.. أحد أبرز أعلام الأدب والثورة الفلسطينية، فقد عاش النكبة وهو في سن الطفولة، وعايش معاناتها بكل وقائعها السياسية والاجتماعية، رسخ فكرة المقاومة في أدبه، وواكب حياة الفلسطينيين وكتب عن مآسيهم من منطلق إخلاصه لقضيته الإنسانية الكبرى فلسطين، حتى أضحت كتاباته مرجعية تُلخِّص النكبة والمعاناة والغربة، تُلخِّص معنى أن تكون فلسطينياً قال: سأظل أُناضل لاسترجاع الوطن لأنّه حقي، وماضيّ ومستقبلي الوحيد؛ لأنّ لي فيه شجرة وغيمة، وظل وشمس تتوقد، وغيوم تمطر الخصب، وجذور تستعصي على القلع.
شاعر فلسطين
إبراهيم طوقان.. شاعر فلسطين، وهو الأخ الشقيق لفدوى طوقان الملقبة بشاعرة فلسطين، ولد في بيئة ثقافية وفكرية غنية، ونشأ في أسرة متفتحة على الحياة والعمل والمطالعة والدراسة، فجده كان ينظم الشعر والزجل، وكتب إبراهيم الكثير من القصائد والأشعار لأهداف وأغراض متعددة، ولكن غلب على شعره غرض الانتماء للوطن، الذي عبر فيه عن هموم الوطن وأبنائه.
من أشهر قصائده التي كتبها في ثلاثينيات القرن العشرين:
موطني انتشرت في جميع أرجاء الوطن العربي وأصبحت النشيد غير الرسمي للشعب الفلسطيني.
موطني… موطني..
الجلالُ والجمالُ والسناءُ والبهاءُ
في رُباكْ… في رُباكْ
والحياةُ والنجاةُ والهناءُ والرجاءُ
في هواك… في هواك
هل أراكْ… هل أراكْ..
سالماً منعَّماً وغانماً مكرَّماً؟
هل أراكْ… في علاكْ
تبلغ السِّماكْ؟… تبلغ السِّماكْ؟
موطني… موطني.. موطني.. موطني
ساحة النّضال الشّعبي
في حين قاسمت فدوى طوقان مع المقاومين ومجموعة من الشعراء الفلسطينيين ساحة النضال الشعبي، إذ أطلّت بشِعْرِها وقصائدها مصورة معاناة شعبها الفلسطيني والألم والظلم الذي يتعرّض له من الاحتلال، فرسمت همومه، وأظهرت أيضاً مشاعر الحب تجاه هذا الوطن مسلوب الحقّ، تقول فدوى طوقان:
حريتي!
حريتي!
حريتي!
صوتٌ أردده بملء فم الغضب
تحت الرّصاص وفي اللهب
وأظل رغم القيد أعدو خلفها
وأظلّ رغم الليل أقفو خطوها
وأظل محمولاً على مدّ الغضب
وأنا أناضل داعياً حريتي!
حريتي!
حريتي!
ويردد النهر المقدس والجسور
حريتي!
والضفتان ترددان: حريتي!
ومعابر الريح الغضوب
والرعد والإعصار والأمطار في وطني
ترددها معي:
حريتي! حريتي! حريتي!
تقدموا
أما الشاعر الفلسطيني سميح القاسم.. فقد وهب حياته وشعره لهذه القضية، وكتب القاسم قصائد معروفة منها قصيدته التي غناها الفنان مرسيل خليفة «منتصب القامة أمشي.. مرفوع الهامة أمشي»، كما تذاع قصائده بصوته على القنوات العربية والفلسطينية، خصوصاً هذه الأيام على إثر العدوان على غزة مثل قصيدة «تقدموا.. وقد صدر له أكثر من ستين كتاباً في الشعر والقصة والمسرح والترجمة، وصدر أعماله في سبعة مجلدات، كما ترجم عدد كبير من قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية ولغات العالم.
ونقرأ من قصيدة تقدموا
تقدموا
كل سماء فوقكم جهنم
وكل أرض تحتكم جهنم
تقدموا
يموت منا الطفل والشيخ
ولا يستسلم
وتسقط الأم على أبنائها القتلى
ولا تستسلم
تقدموا
تقدموا
بناقلات جندكم
وراجمات حقدكم
وهددوا
وشردوا
ويتموا
وهدموا
لن تكسروا أعماقنا
لن تهزموا أشواقنا
نحن القضاء المبرم
تقدموا
تقدموا
رمز الخلود
وتأتي القدس في قلب كل شاعر فهما لا ينفصلان عن بعضهما البعض، وهذا ما رأيناه في قصائد عبد الكريم الكرمي أبو سلمى:
«يا قدس أرضي والفؤاد موجع والقلب يهفو دائم الخفقان
رمز الخلود لأمة معطاءة
رمز العطاء على مدى الأزمان
يا قدس جرحك جرحنا ونشيدنا
فتسلحي بالصبر والسلوان
إنا جعلنا بحرنا ورمالنا
ناراً على الأعداء والطغيان
نحن على ثقة من أن الشعر ديوان العرب وسيبقى، فقد وثّق انتصاراتهم الدائمة، والمتتالية، ووثق كرمهم ورجولتهم، وعزتهم وإباءهم، وأنفتهم وكبرياءهم.
بلا شك هي أشعار.. خالدة.. باقية.. حاضرة في كل مكان.. تسكن قلوبنا ووجداننا.. تحاكي همومنا ووجعنا وانتصاراتنا.. هي باختصار.. تحمل كثافة نبض الأشواق لها.