الثورة – ديب علي حسن:
استلاب العقول وغزوها هو الحرب الحقيقية التي تهدم كل شيء، فلا تترك روح مقاومة وقدرة على التحليل والوصول إلى نتيجة ومحاكمة منطقية أبداً، تعطيك الواقع وترسم لك درب القادم.
وغزو العقول أعقد أنواع الحروب، منذ القديم إلى اليوم، من سلاح الإشاعة والكلمة التي كانت سابقاً تتمثل في الشعر أو إطلاق الكثير من القصص والحكايا التي تحمل مضامين يريدها من ينشر هذا الخوف.
ومع تطور العلم ولاسيما علم النفس وتفكيك آليات الفهم، ومعرفة المزيد من أدوات وأساليب الغزو الفكري وحامله الإعلامي، كان ظهور حرب المصطلحات والمفاهيم.
إرهاب المفاهيم
اليوم ونحن بعقل بارد، نستعيد ونناقش حرب المفاهيم، التي كان النظام يطلقها وعلى لسان أعلى مسؤول فيه.
لنستعرض.. بعضهم لم يتوقف عن استخدام مصطلح الليبرالية المتوحشة التي يذهب هو إلى شرحها أنها تبتلع كل شيء، أنها تدمير وتجويع للمواطن، أنها استلاب لكل شيء، أنها نهب الثروات لتكون في أيدي قلة قليلة، أنها وراء اللهاث من أجل رغيف خبز وامتهان كرامة الإنسان وما في ذلك من معان كان يرددها.. وتعمل جوقة مرددين على الاسترسال في المزيد من معان أخرى.
ترى سؤال بسيط: ماذا يعني أن تكون ثروة من يقول ذلك مليارات الدولارات؟
ماذا يعني أن يكون لديه أفخم وأحدث طراز من السيارات التي لم تصدر بعد إلى العالم؟
وماذا يعني أن يكون في بيته قدرة على إنتاج الخضروات بأحدث طرق عالمية؟
وماذا يعني أن تمتلك زوجته معظم شركات البلد، وأن يكون لديها مزراب من الدخل فقط من البطاقة الذكية.
وماذا يعني أن تحاصص كل مستورد مادة مطلوبة؟
وبالوقت نفسه ماذا يعني أن تفرض ضريبة تعادل ثلاثة أضعاف قيمة المحمول مثلاً؟
الانتماء
أما المصطلح الثاني فهو الانتماء والهوية والمواطنة، وقد أرهقونا به، حتى ظننا أننا لا ننتمي إلى وطن.
لن نعدد الكثير ولكن السؤال: كيف ننتمي إلى وطن فيه من ينفق باليوم ملياراً، ودخله مليارات ولديه القصور والشركات، ويتحدث عن الصمود والصبر، كما كانت تفعل (أم نصف لسان).
كيف أنتمي إلى وطن لا أستطيع أن أشتري فيه كيلو من الفواكه؟
كيف أنتمي إلى وطن وألف حاجز يفرض إتاوة على كل شيء.
كيف أنتمي وأنا أرى أحدث سيارات العالم تجوب الشوارع لدينا، وثمة من يقول لك: قانون قيصر.
كيف أنتمي وأنا أردد شعاراً ليس له على أرض الواقع (اشتراكية).
أي اشتراكية، هل هي اشتراكية الضرائب واستثمار في رواتبنا التي بالكاد تجلب الخبز.
كم كان بدوي الجبل صادقاً حين قال ودفع ثمن ما قال:
اشتراكية تعاليمها الإثراء والخنا والفجور.
إن مر طاغ صف له جند ودوى نفير.
والله يوم كانت تتردد هذه كان سؤالي الملح: أليس ما يجري في سورية ليبرالية أكثر من متوحشة؟
وتشهد على اجتماعات الدراسات في اتحاد الكتاب العرب.
وآخر ما كان قبيل سقوط النظام، عندما علقت على الانتماء في محاضرة ألقاها أستاذنا الفاضل الدكتور حسين جمعة وقلت: إننا نمضي نحو التوحش ولا انتماء لتجارنا وحكومتنا (حينها) إلا المال والجشع، الأمر الذي اقض مضجع من كان يدير الندوة وليس المحاضر الذي أيدني فيما قلته.
سلام لسوريا الحرة.. سلام لكل من يبني ويفعل قبل أن يقول ولا يبيعنا ويضللنا بشعارات ومفاهيم ليست من الواقع بل كانت من أدوات حربه واستغلاله لنا.
#صحيفة_الثورة