الثورة – علا محمد:
في أول حوارٍ لها مع وسيلةٍ إعلامية سورية، تطل الروائية والإعلامية السورية مريم محي الدين ملا على جمهورها في سوريا من دولة الإمارات العربية المتحدة، عبر اتصال هاتفي مع صحيفة الثورة، لتروي لنا محطات حياتها الإبداعية الممتدة عبر أكثر من أربعة عقود من الغربة بين دمشق والإمارات، حوارٌ يغلب عليه الصدق والحنين، والتطلع لعودة قريبة تحمل معها رسائل محبّة وعطاء أدبي وإنساني.
وُلدتْ مريم ملا في دمشق، المدينة التي مازالت تنبض في قلبها بكل تفاصيلها كما وصفت لنا، وحدثتنا أنها عاشت ٤٣ عاماً في الغربة، فانتقلت إلى دولة الإمارات بعد زواجها وهناك كونت أسرة وأنجبت ابنة وحيدة، ورغم طول المسافة والسنوات لم تنقطع صلتها بالوطن بل كانت تزوره بين الحين والآخر كلما أتيحت لها الفرصة.
البعد النفسي.. الثقل الأكبر 
ورداً على سؤالنا عن سبب غربتها الطويلة، أكدت ملا أنها لم تكن قسرية أو ناتجة عن ضغوط، بل كانت خياراً شخصياً نابعاً من ظروف حياتها العائلية، إلا أن هذا البُعد الزمني والمكاني كان له بالغ الأثر في رؤيتها للهوية والانتماء، فالغربة صنعت لديها وعياً عميقاً عن معنى الانتماء، قائلة: “الوطن يبقى الوطن، والتأقلم هو الذي يولد الانتماء، وهذا الانتماء لا يمكن تجاهله أبداً والانتقال من مجتمع إلى آخر ليس سهلاً، خاصة إذا كان بعيداً عن المجتمع الأم بعاداته وتقاليده، اخترت البقاء في دولة الإمارات، وكان عليّ التأقلم بكل شيء وهذا التأقلم ولّد عندي انتماءً كبيراً للإمارات، لدرجة أثر في كتاباتي، حتى أنني حصلت على وسام ذهبي خاص بالتراث”.
لم يكن هذا الانتماء الجديد على حساب حب الوطن الأم، بل على العكس، عبّرت ملا عن حنينها الدائم لسوريا في معظم أعمالها الأدبية: “الوطن يعيش فينا ولسنا نحن من نعيش به فقط، وهو ينتقل معنا حتى في أنفاسنا، كل كتاباتي فيها حنين للوطن، وقد أهديت عدداً من أعمالي لسوريا عامة، ولدمشق خاصة”.
وفي رؤيتها العامة للحياة، رغم البُعد، أكدت أن الحنين للوطن لا يغير نظرتها للحياة التي تراها متشابهة في كل مكان وزمان.
وحين طُرح عليها السؤال حول ما غيّرها أكثر، البُعد الجغرافي أم النفسي الناتج عن الغربة؟
أجابت بحسّ صادق: “لم أعتقد أنني تغيرت كبُعد جغرافي، لكن الحنين الدائم والمتواصل إلى الأهل والأصدقاء والأماكن أرهقني نفسياً، وكل سنة كان الحنين يكبر أكثر، كتبت عن هذه المشاعر في أول عمل أدبي لي “أمومة وغربة”، ومن العنوان وحده يتضح كل شيء”.
صورة لا تمحى
تحتفظ مريم ملا بذكرى مؤثرة من لحظة مغادرتها سوريا للمرّة الأولى: “أتذكر كيف رأيتها من الجو.. صورة لا يمكن أن تمحى من ذهني، كنت أمشي على أرضها، وفجأة رأيتها من الأعلى، كان شعوراً غريباً ومؤلماً”.
واليوم، بعد غياب 16 عاماً متواصلة، تستعد الروائية ملا للعودة إلى دمشق قريباً، وعن هذه العودة المنتظرة تقول: “إن شاء الله أنوي زيارة دمشق خلال الشهر القادم، لدي شوق كبير إليها، ولدي رغبة في تقديم أعمالي الأدبية للجهات الحكومية المعنية بمطبعة “برايل” لمساعدة المكفوفين على القراءة، كما فعلت سابقاً في الإمارات”.
وعن مسيرتها الأدبية انتقل حديثنا بشغف لتحدثنا الروائية ملا عن أعمالٍ أدبية متنوعة بين الشعر والرواية والقصة القصيرة والدراما، كما أنها اهتمت بتوثيق التراث الإماراتي.
وتبين لنا أن الشعر كان مساحة خاصة مهداة إلى ابنتها، وقد أصدرت ديوانين “شظايا نافذة”، و”أوديل” الاسم الذي اختارته لابنتها عند زواجها، وكل قصائد الديوان أيضاً كانت لها، فيما بقية أعمالها شملت الرواية، الرواية التاريخية، القصة القصيرة، السير الذاتية، وقصص الأطفال المستمدة من التراث الإماراتي، وحتى الآن أصدرت 13 عملاً أدبياً، من أبرزها “أمومة وغربة”، “الليل الأبيض”، “شجرة التين”، “زمن الصبر”، “حدائق النار”، “رسائل بحار فلسطيني”، وقصص قصيرة مهاجرة تحمل عنوان “تاج من الملح”، و”الثلج الحزين”.
أما في مجال الدراما، فلديها مجموعة كبيرة من النصوص التي كتبتها، منها نصوص خليجية، عربية، سعودية، إماراتية، مصرية، سورية، بدوية، تاريخية وتراثية.
“زمن الصبر” … الأكثر تأثيراً
عند سؤالها عن العمل الذي تعتبره الأكثر تأثيراً في مسيرتها، ردت بتواضع: “كل الأعمال التي كتبتها غالية على قلبي، ولا أستطيع تفضيل واحد على الآخر، خاصة أنني متنوعة في كتاباتي، ولم أتوقف عند كتابة الرواية بل كتبت معظم الأجناس الأدبية ونشرتها، لكن يمكنني تمييز “زمن الصبر”، فهو عن ماضي الإمارات، واستغرق مني ثلاث سنوات وأكثر في الكتابة”.
وتابعت ملا: “هذا العمل كان سبباً في شهرتي، تُرجم إلى الإنجليزية ولغة برايل للمكفوفين، وطُبع أربع مرات بالعربية، وثلاث مرات بلغة برايل”، وإلى جانب “زمن الصبر”، تُرجمت لها أعمال أخرى منها “عوشة والجد مطر” وهي سلسلة من خمسة أجزاء للأطفال، وكذلك “شجرة التين”.
شاركت الروائية ملا في العديد من مهرجانات الشعر والأدب، لكنّها تعتبر اختيارها عضواً في لجنة التحكيم العليا في أكثر من مسابقة.
تجربة فريدة
فسابقاً في لجنة تحكيم مسابقة القدس للقصة القصيرة، وفي الوقت الراهن هي عضو في لجنة التحكيم العليا لمسابقة “قصص من غزة” التي ينظمها النادي الثقافي الإماراتي الفلسطيني في أبوظبي.
وعن مشاريعها القادمة، قالت: “أعمل حالياً على مشاريع درامية عدة، كتبت نصوصاً مهمة وقدّمتها لشركة إنتاج ضخمة معروفة غير سورية، كما أنهيت عملاً إماراتياً بعنوان :”خلف الستار” بهذا الحنين العميق للوطن، وبعطائها الأدبي المتجدد، تستعد الروائية مريم محيي الدين ملا اليوم للعودة إلى دمشق، ليس فقط لتستعيد الذكريات، بل لتُقدم شيئاً ملموساً، أعمالها الأدبية مطبوعة بلغة برايل، هدية للمكفوفين السوريين، في خطوة إنسانية تثبت أن الثقافة يمكنها أن تعبر الحدود، وتبني جسور المحبة بين الإنسان والحياة.