افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير نور الدين الإسماعيل
يحضرني قول الإمام الشافعي: وعينُ الرضا عن كلِّ عيب كليلةٌ ولكنّ عينَ السخط تُبدي المساويا
في الحالة السورية اليوم نحن أمام نماذج عدّة، يغلب عليها ثلاثة نماذج من السوريين، تشكّل أطيافاً واسعة من الشعب السوري، بنسب متفاوتة لكلِّ نموذج، وخلفيات ودوافع تختلف وتتنوع بتنوعهم.
النموذج الأول، يُبررُ ويدافع عن كل ما يصدر عن الحكومة، من مبدأ الدعم للدولة الناشئة التي تسلّمت البلاد إثر حكمها من عصابة الأسد طوال خمسين عاماً، تخلّلها 14 عاماً من الحرب التي شنّتها تلك العصابة على السوريين، فيبدي أصحاب هذا النموذج دفاعاً مستميتاً عن تصرفات الحكومة، حين تنجز، وحين تخطئ، على حد سواء.
يتحرك أصحاب هذا النموذج وفق مشاعرهم وعواطفهم تجاه الدولة الجديدة، وخَشيتهم عليها، وفي معظمهم هم من الذين عانوا من استبداد الأسد ونظامه المخلوع لسنوات، فشعروا بالانتماء للمرة الأولى في حياتهم.
في المقابل هناك نموذج من السوريين يتصيّدون الأخطاء تصيّداً، بعيداً عن الموضوعية، ولا يمانعون من تداول الأكاذيب والشائعات التي تكون من دون أيَة مصداقية، بهدف شيطنة الحكومة وموظفيها ومسؤوليها، ليصلوا إلى نتيجة أن “الماضي أحلى”، والماضي الذي يقصدونه هو فترة حكم النظام المخلوع، بكل جرائمه وانتهاكاته واستبداده.
معظم هؤلاء، خسروا بسقوط نظام الأسد امتيازات كانوا يحصلون عليها، فلا يفوّتون فرصةً لتضخيم الحوادث الصغيرة، وفي بعض الأحيان اختلاق أو تداول الأكاذيب والشائعات، بهدف إظهار ما يصفونه بـ”الواقع السوداوي” للمشهد السوري، ويتمترسون وراء حجة أنهم باتوا في “زمن حرية التعبير”، غير قادرين على إخفاء حقدهم ضدّ المرحلة الجديدة، فباتوا كالنعامة التي تدسّ رأسها في الرمال دون أن تدري أنها مكشوفةٌ للجميع.
هؤلاء ليس لديهم مشكلة في تضخيم حادثة تحطيم أثاث أو ديكور في المعهد الموسيقي، الأمر الذي رفضه الجميع والذي تبيّن أنه نتيجة حادث داخلي في المعهد بين أحد المتعهدين وإدارة المعهد، والذي تزامن مع خبر العثور على عدّة مقابر جماعية بريف حمص، ذلك الخبر الذي لم يهزّ شعرةً في “إنسانيتهم” أو “رهافة” مشاعرهم.
النموذج الثالث، وهو مجموعة السوريين الذين يحلمون ببناء دولةٍ حقيقيةٍ قويةٍ، عانوا من ظلم الأسد، فيدافعون عن الدولة الجديدة بمفهوم مختلف، وهو أن يشيدوا بنجاحاتها، لكن في المقابل، لا يسكتون عن الخطأ.
يرى هؤلاء أن نقد الأخطاء بطريقة موضوعية، والإشارة لها، يساعد في تقويم خطّ سير الدولة ومؤسساتها، ويحافظ على المكتسبات التي حققتها “الثورة السورية”، منطلقين من رغبتهم في البناء وليس الهدم، وأن هذه المرحلة التي دفع السوريون ثمنها غالياً تستحقُّ أن تكون نموذجاً يُحتذى، بعيداً عن الحقد الأعمى أو “التطبيل” المرفوض.
نماذجُ أخرى من السوريين تشكّل باقي الطيف السوري، فمنهم يسير على مبدأ “إلي بيتزوج أمي نقله يا عمي”، وآخرون يبحثون عن لقمة عيشهم بعيداً عن الصخب والضجيج، و بعضُ الذين غادروا البلاد ولم يعد يعنيهم الأمر في شيء.
لنتفق على أنّ “التطبيل” لا يبني دولاً، في المقابل هناك خط واحد يفصل بين النقد والحِقد، فالنقدُ الموضوعي يقوّم الأخطاء ويمنع تكرارها، في حين يهدم الحِقد كل مستقبل يمكن للدولة أن تحقّقه.