الابتزاز الإلكتروني.. عدو خفي يغزو حياتنا الرقمية بلا رادع! خطر يتربص بفئة اليافعين.. فهل الإجراءات الحمائية كافية؟

الثورة – فردوس دياب:

اعتقلت وزارة الداخلية منذ أيام قليلة متهماً بجريمة ابتزاز إلكتروني لإحدى الفتيات في محافظة اللاذقية، عبر استخدام حسابات وهمية للحصول على صور شخصية لفتيات وابتزازهن مالياً، الأمر الذي يفتح الباب مجدداً على خطورة انتشار هذه الظاهرة، في ظل التوسع الرقمي الذي يضع المجتمع أمام تحديات ومخاطر أمنية ومجتمعية جديدة.

 

هذا الحدث، وبقدر ما يسلط الضوء على خطورة هذه الجرائم، بقدر ما يدعو إلى تعزيز الوعي المجتمعي لمواجهة مثل هذه الظواهر التي تهدد استقرار المجتمع.

للتعمق أكثر في هذا الموضوع، التقت صحيفة الثورة عدداً من المختصين والخبراء في مجالات القانون والإعلام والتربية، في محاولة لتعزيز الوعي المجتمعي في مواجهة هذه الظاهرة.

عقوبات رادعة

المحامي أحمد عبد الرحمن

المحامي في القانون الدولي أحمد عبد الرحمن، أكد أن جرائم الابتزاز الإلكتروني، باتت تهدد الأفراد والمجتمعات، خصوصاً فئة اليافعين، الذين يشكلون الشريحة الأكثر عرضة للاستغلال عبر الفضاء الرقمي، مضيفاً، إنه وبالرغم من وجود التشريعات التي تنظم الجرائم المعلوماتية، إلا أن التحديات التقنية والقانونية تفرض الحاجة إلى مراجعة مستمرة لهذه القوانين بما يتناسب مع خطورة الظاهرة.

وقال عبد الرحمن: إن قانون الجرائم المعلوماتية في سوريا رقم 20 لعام 2022، صدر ليعالج الجرائم المرتبطة باستخدام الشبكة، بما فيها الابتزاز الإلكتروني، كما ينص قانون العقوبات السوري (المادة 636) على معاقبة من يهدد شخصاً بفضح أمر أو إفشائه للحصول على منفعة غير مشروعة بالحبس حتى سنتين وغرامة مالية، مع إمكانية التشديد إذا ارتبط الابتزاز بجرائم أخرى.

وأضاف: إنه بالرغم من وجود هذه النصوص، يرى العديد من الباحثين أن العقوبات الحالية لا تتناسب مع خطورة الابتزاز الإلكتروني، ما يستدعي تعديلات تشريعية أكثر صرامة.

وفيما يتعلق بإثبات الجريمة والأدلة الرقمية، أوضح عبد الرحمن أن إثبات جريمة الابتزاز الإلكتروني أمام القضاء يعتمد على الأدلة الرقمية، مثل الرسائل النصية والمحادثات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والصور والفيديوهات المرسلة أو المنشورة، وسجلات الدخول والخروج من الحسابات الإلكترونية، وتقارير الخبراء الفنيين، إلا أن تتبع الحسابات الوهمية يمثل تحدياً كبيراً، خاصة مع استخدام تقنيات إخفاء الهوية، مثل الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، ما يتطلب تعاوناً دولياً وخبرات تقنية متقدمة.

تحديات تقنية وقانونية

وعن التحديات الأمنية والقانونية التي تعترض مواجهة الجريمة الإلكترونية، أشار عبد الرحمن إلى أن ذلك يتجلى بضعف التنسيق بين الأجهزة الأمنية القضائية، وكذلك بطء التحقيقات، ونقص الخبرات التقنية لدى بعض الجهات الرسمية، لأن ذلك يحد من القدرة على مواجهة الجرائم العابرة للحدود، في ظل الحاجة إلى تعاون دولي، لأن كثيراً من الحسابات المبتزة تُدار من خارج سوريا.

وبالنسبة للعقوبات، فهي العقوبات الأساسية والمتمثلة بالحبس حتى سنتين وغرامة مالية مع إمكانية التشديد إذا ارتبط الابتزاز بجرائم أخرى، مثل نشر صور خاصة أو استغلال قاصر، ويبقى الجدل قائماً حول ما إذا كانت هذه العقوبات رادعة بما يكفي، إذ يرى كثيرون أنها لا تتناسب مع خطورة الابتزاز الإلكتروني الذي قد يدمر حياة الضحايا اجتماعياً ونفسياً.

وختم المحامي عبد الرحمن حديثه بالقول:” إنه بالرغم من وجود التشريعات لمكافحة الابتزاز الإلكتروني، إلا أن التحديات التقنية والقانونية تفرض الحاجة إلى تطوير القوانين وتحديثها بشكل مستمر، كما أن مواجهة هذه الظاهرة لا تقتصر على العقوبات القانونية فقط، بل تتطلب مقاربة شاملة تشمل التوعية المجتمعية، تعزيز دور المدرسة، وتطوير القدرات التقنية للأجهزة الأمنية، ذلك أن بناء بيئة رقمية آمنة هو مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، لضمان حماية الأفراد، وخاصة اليافعين، من مخاطر الابتزاز الإلكتروني.

الإعلام كحصن منيع

 

أما بالنسبة لدور الإعلام في تعزيز الوعي المجتمعي وتسليط الضوء على هذه الظاهرة وكيفية مواجهتها، فقد أعرب الباحث والمتخصص في مجال الإعلام الحكومي حسام نجم عن ضرورة أن يتولى الإعلام دوراً أساسياً في حماية المجتمع من مخاطر الجرائم الإلكترونية، وذلك من خلال إنتاج محتوى مبسّط يشرح أساليب المجرمين ويعرّف بأنواع التهديدات الرقمية، وكذلك من خلال قصص واقعية مؤطّرة قانونياً، من أجل رفع مستوى الوعي لدى الجمهور دون إثارة الذعر، وإطلاق حملات توعوية بالشراكة مع الجهات الأمنية والخبراء، كما يقدّم إرشادات عملية للتعامل مع المواقف المشبوهة، ويوضح آليات الإبلاغ والحماية التقنية المتاحة للجمهور.

وأضاف نجم: إن الإعلام يسهم في ترسيخ الخصوصية الرقمية كسلوك يومي عبر برامج قصيرة، إنفوغراف، ومواد مرئية فيديوهات تفاعلية توضّح كيفية إدارة كلمات المرور، وضبط إعدادات التطبيقات، والتحقق من الروابط والحسابات، مبيناً أنه يعزّز هذه الثقافة من خلال استضافة خبراء يقدمون نصائح مباشرة بلغة بسيطة، ما يجعل مفاهيم الأمن الرقمي أقرب إلى الممارسة اليومية للجمهور.

وعن كيفية التصدي للشائعات وجرائم الابتزاز الإلكتروني، بين المدرب الحكومي في مجال الإعلام أن ذلك يتم من خلال تعامل الإعلام مع الشائعات والمعلومات المغلوطة بنشر أخبار دقيقة وسريعة تستند إلى مصادر رسمية، مع تفنيد الادعاءات بلغة واثقة وهادئة، وكذلك اعتماد سياسات تحريرية صارمة تمنع تضخيم الحالات أو تداول معلومات غير مؤكدة، ويوجّه الجمهور نحو القنوات الرسمية للإبلاغ، مؤكداً ضرورة طلب الضحايا للمساعدة دون خوف أو وصمة اجتماعية.

آثار خطيرة

الدكتور جلال مبارك

بدوره استهل الدكتور جلال مبارك عضو الهيئة التدريسية في كلية التربية بجامعة دمشق، حديثه بالقول:” إن استخدام شبكة الإنترنت وانتشارها بشكل واسع، صاحبة ظهور العديد من الجرائم الالكترونية المستحدثة، والتي خلفت آثارها السلبية على المستوى النفسي والاجتماعي والأمني والاقتصادي والسياسي، بالإضافة الى تطور السلوك والأنشطة الجرمية.

وعن أنواع الابتزاز الإلكتروني، أوضح مبارك أن جريمة الابتزاز الالكتروني تأخذ العديد من الصور والأشكال:

كالابتزاز الإلكتروني العاطفي: والذي يقصد به موقف أو كلام يأخذه ممارس الابتزاز يسبب لدى الطرف الآخر إحساساً بالخجل أو بالخطأ.

والابتزاز الإلكتروني المادي: والذي يعد من أهم وأكثر الأهداف التي يسعى المبتز إلى تحقيقها من ارتكابه جريمة الابتراز، و هي الحصول على المكاسب المادية عن طريق الإكراه واستغلال حالة الضحية.

وهناك الابتزاز الإلكتروني الغير أخلاقي “الجنسي”: ويتحقق عن طريق قيام الجاني بتهديد المجني عليه بفضح أمره أو إفشاء سر من أسراره مستغلاً ضعفه اتجاه تهديداته.

وحول الآثار المترتبة على ذلك، بين مبارك، أن الجريمة الإلكترونية، تترك خلفها العديد من الأثار السيئة على الضحية، ولعل أبرزها الآثار النفسية التي تجعل الضحية في حالة اضطراب نفسي وقلق وخوف واكتئاب، وقد تصبح الضحية عدوانية، وفي بعض الأحيان تصل الأمور إلى حدود إقدام الضحية على الانتحار، كما أن هناك أثاراً اجتماعية تسهم في التفكك الأسري والوصول لحد الطلاق، کما أصبح إحجام الشباب والفتيات عن الزواج وتأخرهم أمر سببته فقدان الثقة بسبب ما يطفو على سطح المجتمع من أسرار معصومة.

تعزيز الوعي المجتمعي

وأشار الدكتور مبارك إلى بعض الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها لتعزيز الوعي المجتمعي من مخاطر الابتزاز الإلكتروني، أهمها: التثقيف والتدريب، وتوفیر ورش عمل، ودورات تثقيفية حول مخاطر الإنترنت وكيفية تجنبها، هذا بالإضافة إلى التوعية بأهمية الخصوصية الرقمية وحماية المعلومات الشخصية والخاصة وعدم مشاركتها مع الغرباء، وكذلك إدارة الحسابات الآمنة، عبر تدريب الشباب على استخدام كلمات مرور قوية بتفعيل المصادقة الثنائية، وتحديث اعدادات الخصوصية بانتظام، والتعامل بحذر من النقر على الروابط المشبوهة أو التحدت مع الغرباء أو مشاركة صور وفيديوهات قد تستغل ضدهم، وضرورة تشجيع الأبناء على التحدث بصراحة مع أهلهم أو أصدقائهم في حال وقوعهم ضحية لأحد المجرمين إلكترونياً، كذلك التوعية المستمرة في المدارس والتحدث معهم باستمرار حول هذه القضايا، وأخيراً التعاون مع الجهات المختصة وتشجيع الشباب، وتقديم العون لهم، وتقديم بلاغات رسمية للجهات المختصة فوراً عند التعرض للابتزاز مع الاحتفاظ بالأدلة اللازمة لذلك.

ويضطلع المجتمع بدور هام، وذلك من خلال تعزيز الوعي بأهمية عدم وصم الضحايا، والتأكيد على أن الخطأ يقع على المبتز وليس على الضحية، وهذا الأمر يعزز قدرة المجتمع على مقاومة هذه الجرائم.

وللتخفيف من الآثار المترتبة على الابتزاز الإلكتروني، ذكر مبارك أن برامج التوعية والتثقيف في المدارس والجامعات يمكن أن تلعب دوراً هاماً في التخفيف من آثار الابتزاز الإلكتروني من خلال تقديم المحاضرات وورش العمل والندوات، وهذه البرامج يمكن أن تسهم في زيادة الوعي وتزويد الشباب بالمعرفة والمهارات الضرورية للتعامل مع الابتزاز الإلكتروني.

كما شدد على ضرورة تأسيس برامح للفرق التطوعية للدعم النفسي ،مكونة من أساتذة جامعين وطلاب جامعين مدربين لتقديم الدعم النفسي والعاطفي للضحايا المحتملين للابتزاز الالكتروني، وكذلك برامج تعاون مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية من خلال تنظيم حملات توعية مشتركة، وإقامة ورش عمل وتبادل الموارد لتعزيز الوعي والتعاون في مكافحة الابتزاز الإلكتروني.

آخر الأخبار
إجراء غير مسبوق.. "القرض الحسن" مشروع حكومي لدعم وتمويل زراعة القمح ملتقى سوري أردني لتكنولوجيا المعلومات في دمشق الوزير المصطفى يبحث مع السفير السعودي تطوير التعاون الإعلامي اجتماع سوري أردني لبناني مرتقب في عمّان لبحث الربط الكهربائي القطع الجائر للأشجار.. نزيف بيئي يهدد التوازن الطبيعي سوريا على طريق النمو.. مؤشرات واضحة للتعافي الاقتصادي العلاقات السورية – الصينية.. من حرير القوافل إلى دبلوماسية الإعمار بين الرواية الرسمية والسرديات المضللة.. قراءة في زيارة الوزير الشيباني إلى الصين حملات مستمرة لإزالة البسطات في شوارع حلب وفد روسي تركي سوري في الجنوب.. خطوة نحو استقرار حدودي وسحب الذرائع من تل أبيب مدرسة أبي بكر الرازي بحلب تعود لتصنع المستقبل بلا ترخيص .. ضبط 3 صيدليات مخالفة بالقنيطرة المعارض.. جسر لجذب الاستثمارات الأجنبية ومنصة لترويج المنتج الوطني المضادات الحيوية ومخاطر الاستخدام العشوائي لها انطلاقة جديدة لمرفأ طرطوس.. موانئ دبي العالمية تبدأ التشغيل سوريا والتعافي السياسي.. كيف يرسم الرئيس الشرع ملامح السياسة السورية الجديدة؟ هل تسهم في تحسين الإنتاجية..؟ 75 مليون دولار "قروض حسنة" لدعم مزارعي القمح نقلة تاريخية في التعليم.. التربية الدينية تدخل مضمار المنافسة على المقاعد الجامعية الاقتصاد بين طموحات خارجية وتحديات داخلية كيف يعزز العلاج الوظيفي جودة الحياة؟