ثورة أون لاين :
لا يجب أن تمر القمة-المفاجأة، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كزعيم ورئيس لدولة عظمى وقطب دولي صاعد وفاعل، وفي ظروف حساسة ودقيقة جداً، مع الرئيس بشار الأسد، مرور الكرام، وسوريا تتعرض ومن خمس سنوات متتالية لأشرس وأشمل عدوان كوني عليها، من قبل المحور الأطلسي-التركي الخليجي، كما لا تجب المكابرة، والقفز على، وتجاهل رسائلها الكثيرة والمتعددة الذاهبة في غير اتجاه.
ومن دون إغفال كل تلك الرسائل القوية والمدوية، التي أرادت روسيا إيصالها ورمزية أن تكون أولى زيارات الرئيس الأسد للخارج إلى موسكو، فستبقى الرسالة الأهم والأبلغ هي موضوع التأكيد على، والتمسك بالشرعية الوطنية السورية التي يمثلها الرئيس بشار الأسد المنتخب شرعياً ودستورياً من قبل الشعب السوري.
فأن تنزل روسيا بكل ثقلها المادي والمعنوي في الميدان السوري للتصدي للإرهاب الدولي الذي يدعمه المحور الأطلسي التركي الخليجي، لا يوازي ذلك سوى هذا "النزول" الدبلوماسي الأقوى الذي تجلى في قمة الكرملين التي لن تتوقف ارتداداتها السياسية والإعلامية على المدى المنظور، وستكثر قراءاتها وتحليلاتها الإستراتيجية وستنجلي، معها، وتتضح معظم نتائجها وما دار من محاورها ونقاشاتها فيما بعد .
وإذ لا يترك رموز الإرهاب والعدوان مناسبة من دون التطرّق لهذه القضية التي حسمها الروس على نحو قاطع، وحاسم، اليوم، ومع كل لقاء وتصريح، فقد أصبح الأمر ملازماً، وملتصقاً، تماماً، بالإستراتيجية الروسية في سوريا، ويجب، والحال، أيضاً، وبالتوازي مع ذلك كله، النظر بإمعان إلى سر تمسك وتعلق موسكو بالرئيس الأسد وتأكيد شرعيته، كقطب فاعل موثوق ورمز وشريك وحليف دولي فاعل ومعتبر، أثبت جدارته، وجديته، في الحرب الكونية المصيرية ضد شراذم وقطعان الإرهاب الدولي، وسوريا تتعرض لأكبر عمل إرهابي في التاريخ، ولذلـ فهي المعنية الأولى، ومباشرة، بالتصدي الجاد والحقيقي له ومكافحته والقضاء عليه على نحو نهائي، هذا الإرهاب الذي بات عابراً للحدود والقارات، والذي سيعاد، ولا شك، في حال عبوره المحطة السورية بنجاح، تدويره واستثماره في غير مكان من العالم ستشكل سوريا بهذا، الجبهة الفاصلة، والخندق الأول والأخير والأهم عماده الحرب الجدية على الإرهاب، وقد عبـّر بوتين عن ذلك صراحة في منتدى فالداي في سوتشي الأسبوع الماضي.
وموضوعياً، ومن دون إغفال المصالح الخاصة والبينية المتبادلة والشرعية فيما بين دول العالم، فثمة جملة ورزمة عريضة من الممكن تقديمها وعرضها في فهم وتفسير وتحليل الاستراتيجيات والسياسات الروسية، والتعمق فيها، قد لا يسعف المجال في سردها في عجالة كهذه، لكن يمكن القول، وبتكثيف، وبإيجاز شديد، أن روسيا تريد التأسيس، من الساحة السورية، لنظام عالمي جديد، متعدد الأقطاب، وقائم على الاحتكام للقانون الدولي، والشرعية الدولية، وميثاق الأمم المتحدة في احترام سيادة الدول واستقلالها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ورفض، ومنع تغيير الأنظمة بالقوة العسكرية والغزو المباشر، واستهدافها واللعب بورقة الإرهاب وممارسة "اللعبة المزدوجة" كما أطلق عليها بوتين، لقلب، وفرض أنظمة تابعة وعميلة وحكومات دمى لن تستثني هذه اللعبة أحداً في النهاية وبكل ما في ذلك من تهديد لأمن واستقرار ووحدة الدول والمجتمعات والشعوب التي، وحدها، في النهاية، وبإرادتها المستقلة، وخيارها الحر، هي من يجب أن تملك زمام أمورها وتتحكم بمصيرها واستقلالها وأقدارها وتنتخب وتختار قياداتها وزعاماتها ورفض كل الإملاءات الخارجية بهذا الخصوص.
نضال نعيسة